الجمعة، 29 أبريل 2022

الرّواية العربيّة ( حدّث أبو هريرة قال..) لمحمود المسعدي.

 

المحور الخامس : الرّواية العربيّة ( حدّث أبو هريرة قال..) لمحمود المسعدي.

الأهداف:

1- تبيّن الخصائص الفنيّة في الرّواية:

- بنية كامل الأثر.

- بنية الخير ( السند والمتن في كلّ حديث )

- الرّاوي: أنواعه ,وظائفه ,مواقعه.

- الشخصيّات: صفاتها, أصنافها , علاقاتها , أدوارها.

- بنية الأزمنة: السبق والرّجع.

- الحركات السرديّة: الوصف والسرد.

- الأبعاد الرّمزيّة للأماكن والأزمنة والشخصيّات والأحداث.

- مظاهر الأصالة والمعاصرة في الأثر : في اللغة . في بنية الحديث. في دعائم الحكاية ( الشخصيّات , الأحداث , المكان والزّمان ) في الشكل الفنّي.

يتمّ الاهتمام أيضا بــــ:

·        مسيرة البطل وتحليل أبعادها الرمزيّة والوجوديّة .

·        الرّوافد الثقافيّة التي أثّرت في النصّ وأغنته : الإسلام , المسيحية , الأسطورة.

2- يتمّ الاهتمام في استجلاء القضايا المعروضة بـــــ:

-       تجربة الحس ( الجسد ).

-       تجربة الجماعة ( العمل ).

-       تجربة الروح (الإيمان )

-       تجربة الحكمة ( العقل)

 

تمهيد عامّ:  أسئلة الوجود أسئلة الكتابة.

الوجودية تيار أدبي ومذهب فلسفي نشأ في الغرب ككل الاتجاهات الأدبّية المعاصرة التي عالجت أزمة الإنسان ومنزلته في الكون وأثارت أسئلة الوجود في عمق فلسفي لامسته متعة الأدب وتتزّل رواية محمود المسعدي   " "حدّث أبو هريرة قال ..." في إطار هذه التجربة الأدبيّة والفكريّة ..وهي ككل كتاباته تجربة طريفة لها بدعتها ولها فتنتها من حيث ارتياد الكاتب لمسالك في الكتابة لم يرتدها الأدب العربيّ من قبله ومن حيث تعامله مع اللغة والأجناس الأدبيّة تعاملا استوعب من خلاله المسعدي عسر التجربة الفنيّة وعسر الفكرة الفلسفيّة فكان ككل أثاره يكابد مشقّتين :

-       " وجود الرّواية" أو تأصيلها كجنس أدبيّ له خصائصه الفنيّة.

-       " رواية الوجود" باعتبارها مذهبا أدبيّا ساءل الإنسان وبحث في منزلته الوجوديّة .

ومحور الكتابة في الرواية الوجوديّة منشدّ إلى سؤال فلسفي ذي أفق غيبي يبحث عن هويّة الإنسان منذ خلقه وعن علاقته بوجوده والكون الذي أنزل فيه , هو سؤال القدرة والفعل والهويّة والكيان والموت والحياة والوجود والعدم والمصير والمسؤوليّة هو سؤال عن ذلك التردّد بين الإمكان والمستحيل والفعل والزيف والحقيقة والوهم والجوهر والعرض فكانت الوجوديّة تيّارا أدبيّا استوعب الحيرة وفكّر في الإنسان وبحث في الوجود عن سرّ الحياة ومعناها .

 

دعوة الدنيّا دعوة الكون: محمود المسعدي " حدّث أبو هريرة قال..."

 

التمهيد: استهلّ المسعدي نصوص روايته بإهداء وتمهيد وفاتحة وفي مقدّمة الكتاب إشارة إلى أنّ تجربة الكتابة في حدّ ذاتها تجربة وجوديّة تفتح الذات على آفاق الكون والإنسان وتحقّق ما عجز عنه من فعل وإرادة وخلود" هذا الكتاب كتبته منذ أحقاب حين كنت أروم أن أفتح لي مسلكا إلى كيان الإنسان" .

وفي التمهيد يخاطب المسعدي القارئ على نحو من وحي يطلب التنزيل أو رسالة تطلب الناس . وفي الفاتحة استحضر المسعدي بيتا الأبي العتاهية يختزل التجربة الوجوديّة في محنة الرّحيل وقسوة القرار.

طلبت المستقرّ بكلّ أرض .... فلم أر لي بأرض مستقرّ

لقد أوجد المسعدي فيما كتب من آثار نمطا في الكتابة عجيبا يأبى التصنيف ويندّ عن التجنيس ( إشكاليّة الجنس الأدبي في كتابات المسعدي ) ففي الأثر عودة إلى الخبر إلى حدّ يتوهّم فيه القارئ أنّه أمام مصنّف قديم ككتاب الأغاني أو ككتب الحديث وآثار السيرة .وهو أيضا نصّ روائيّ بما حمّله المسعدي من تقنيات الرّواية الحديثة وأساليبها وهو تأمّل فلسفي ومقالة وجوديّة وهو انفتاح على الشعر لغة وأسلوبا ورمزا وإيحاء .ونصّ المسعدي نصّ يبدع فرادته من التقاء النصوص وينسج وحدته من اجتماع الرّوافد وهو على نحو من استعارة عبارة الشاعر أدونيس " مفرد في صيغة الجمع " .

لقد أنزل المسعدي كلّ نصوصه المسألة الوجوديّة فكانت آثاره محمّلة بمضامين الوجود وأسئلة الكيان والبحث عن معنى الحياة في ركام الزيف والوهم ( كتاب السدّ أو مولد النسيان أو حدّث أبو هريرة قال ...)

لقد عبر أبو هريرة ككل أبطال المسعدي في كتاباته من أفق الطمأنينة والسّكينة إلى حيرة الوجود وقلقه ( القلق الوجودي وأزمة البحث عن معنى الوجود ). ويجسّد هذا النصّ ( حديث البعث ) مرحلة الاستفاقة الوجوديّة وهي مرحلة يعيد فيها الإنسان ترتيب علاقته مع الوجود وهو لحظة إعادة الخلق عبر القطيعة مع الماضي وتهيئة الذات للمغامرة.

الموضوع: انقطاع أبي هريرة عن عوالم الماضي والشروع في المغامرة.

المقاطع :( ثنائيّة السند والمتن ).

-       1- حدّث أبو هريرة قال.. : السّند

-       2 – يمكن تقسيمه إلى ثلاثة أقسام:

-       1- ثمّ التفت إلى صديقي ............. لشغفا إلى ذلك: القصّة الإطار ( الدعوة والاستجابة ).

-       2- فقال ...............................بين الأموات: القصّة المضمنة ( الاستفاقة على الوجود ).

-       بقيّة النصّ: الفراق ثمّ البعث.

 

 

 

 

 

- التصدير :

" سنعلم يوم نبعث من بين الأموات"

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

السند

 

 

 

 


الرّواة:

 

 

 

 

المتن

-       الشخصيّات.

-       الصّديق

 


        - أبو هريرة :

 

 

 


 الزمن : الفجر

 

 

 

 المكان : الصحراء.

 

 

 

 

 

 

 الحوار :

 -أطرافه: ( أبو هريرة / الصّديق).

- موضوعه :موقف الصّديق من أمر الفتى والفتاة.

 

الملاحظ في حدّث أبو هريرة قال ... تصدير الأحاديث بأقوال لكتّاب غربيين أو فلاسفة او شعراء من العرب والمسلمين والتوقّف عند ظاهرة التصدير في كتاب " حدّث أبو هريرة قال...." يدعونا إلى النظر في جمع من الملاحظات:

- يمثّل التصدير نصّا له مراجعه الفكريّة وله مؤلّفه وله مضامينه فالتصدير شكل من أشكال التناصّ حيث يلتقي النصّ بالنصّ نصّ يكتبه المسعدي ونصّ يستعيره ولا تكون القراءة إلاّ مراوحة بين النصين.

- أشار الناقد التونسي توفيق بكّار إلى أنّ ظاهرة التصدير في كتابات المسعدي مظهر من مظاهر حوار الشرق بالغرب أي تلك الثنائيّة التي أنزلها المسعدي في كتاباته , تجذير النصّ في بيئة أدبيّة عربيّة تراثيّة وتنزيله في فضاء روائيّ معاصر ( ثنائيّة الأصالة والمعاصرة ).

- علاقة التصدير بالنصّ : علاقة احتوائيّة إيحائيّة فالتصدير يختزل النصّ ويعتصره اعتصارا ومن عباراته تتشكّل الفكرة أو المضمون فيتحوّل التصدير إلى نواة الحدث أو الفعل أو الفكرة ولا شكّ أنّ التصدير الذي صدّر به المسعدي الحديث وهو للشاعر والمسرحي النرويجي"إبسان" يحقق في النصّ ثلاثة محاور:

* محور المعرفة ( سنعلم ) بما يؤكّد أن التجربة الوجوديّة إعادة اكتشاف الوجود وأنّ البعث هو إعادة خلق على نحو من تصحيح معرفة الذات للكون وأمّا الأموات فإشارة إلى ما كان عليه أبو هريرة في سكينته وخضوعه واطمئنانه فتكون الرحلة أي رحلة أبي هريرة في الحديث الأول بعثا وتجدّدا واستعادة للحياة فهي الخلق الآخر والولادة الثانية بعد الاستفاقة من واقع الموت الذي كان يحياه.

 

السند " حدّث أبو هريرة قال ..." يعود النصّ في بنيته العامّة إلى بنية الخبر أو الحديث كما ترسّخت في التراث العربي القديم وهذا الملح الأساسي الذي يؤكّد تجذّر النصّ في بيئة تراثيّة كثيرا ما تستهوي المسعدي وتغريه بالكتابة في قوالبها وأشكالها الأسلوبيّة . والسّند في النصّ الأوّل شخصيّة تراثيّة (أبو هريرة ) يستعيدها المسعدي من كتب السيرة ومصنّفات الحديث ثمّ يحييها في نصّ روائيّ بل ويحمّلها رسالة الوجود وتجاربه فأبو هريرة بطل الرّواية وبطل الرحلة الوجوديّة يمتدّ في نصّ المسعدي من عصره إلى حدود البعثة المحمديّة فإذا هما شخصيّتان لتراث واحد ألهم المسعدي في كلّ كتاباته.

- الراوي في حدّث أبو هريرة قال ... متنوّع الحضور ومتعدّد المواقع فهو أحيانا شخصيّة يحتويها النصّ ( أبو هريرة .ريحانة ) وهو أحيانا شخصيّة تلقي بالخبر من خارج الحكاية وبهذا الآليّة الأسلوبيّة ( تعدّد الرواة واختلاف المواقع ) تمكّن المسعدي من تجاوز الخبر القديم وتحوّل فعل الرّواية إلى أصوات متداخلة وأصدية متجاوبة تحيط بشخصيّة أبي هريرة فتحدّث عنه وتخبر عن حاله وبالتالي تمكّن المسعدي عبر تعدّد الرّواة من تعدّد وجهات النظر فأحيانا يروي أبو هريرة تجاربه وأحيانا يستحيل خبرا مرويّا فهو في الرواية شخصيّة ثابتة تتعدّد صورها بتعدّد فعل الرواية ( الرواة ) فتمكّن المسعدي من إضاءة الشخصيّة على نحو يمكّن من تجميع كلّ عناصر اللوحة التي شتّتها الأحاديث فشخصيّة أبي هريرة شخصيّة نامية نموّ النصّ متحرّكة تحرّك الحكاية فما إن يغيب عنك صوته حتى يستعيده صدى الرّواية ( الحواريّة في الرواية وتعدّد الأصوات ).

-       حقّقت شخصيّة الصّديق في الحديث الأوّل دور الدافع أو الحافز إذ مثّلت دعوته " أحبّ أن أصرفك عن الدنيا عامّة يوم من أيّامك فهل لك في ذلك؟" وتتحقّق الدعوة عبر محور دلاليّ يحيط بعبارة الانصراف التي تستوعب معاني الرّحلة أو الرّحيل في أحاديث الرّواية ففي الانصراف انقطاع وقطيعة وكلّها معان متشابكة ترسم بوادر رحلة أبي هريرة ومغامرته الوجوديّة .

-       هو شخصيّة محوريّة في الرّوية وهو ذلك البطل الوجودي الذي خاض طيلة الرواية مغامرة الوجود ورحلة البحث عن المعنى فكانت له في الحديث الأوّل صورتان : صورة تأخذ في الامّحاء وصورة تسرع في الثبات والاستقرار داخل متن الأحاديث . والصورة الأولى ترسم سيرة أبي هريرة الأولى قبل أن يرحل عنها ( شخصيّة هي نموذج لكلّ أهل مكّة في اطمئنانها وسكونها وخضوعها وعبادتها لقد كان أبو هريرة صورة لكلّ أهل مكّة يحيا حياتهم وما يعلم من سرّ الحياة إلاّ ما علموا من عبادة تقضى وأمر يتّبع إلى أن كانت دعوة الصّديق ذات فجر وفي الصحراء ).

-       تعامل المسعدي مع جميع مقوّمات الرّواية ( الشخصيّات, المكان , الزّمان, الأحداث ) تعاملا إيحائيّا رمزيّا يكثّف من خلاله المعاني الحافّة فالفجر لم يكن مجرّد زمن للمغامرة بل لقد حمّله المسعدي بمعان ثانويّة رمزيّة فهو زمن الانبعاث والتجدّد وهو زمن الولادة والحياة وهو زمن الاستفاقة الوجوديّة يزيح ظلمة النفس ويطرق أبواب الوجود التي لم تطرق فيكشف عن غوامضه وأسراره وهو زمن بكر يختطّ من خلاله أبو هريرة مسار الرحلة ومسيرة التجربة.

الصحراء فضاء روائيّا: كانت بديلا لمكّة التي كانت في نصّ الرواية فضاء ضيّقا معبّرا عن انغلاق تجربة الذات وانشدادها إلى أواسر العادة أمّا الصحراء فلها معالم الامتداد والاتساع واللاتناهي والغموض والرحلة الدائمة والتيه ( إنّ للصحراء بعدا ساميا ينعتق معه الإنسان من كلّ الروابط والقيود والموانع ويتحرّر من الحدود ويشعر بالامتداد والرّحابة والانطلاق والأبد والخلود ).

للشخصيّات والأحداث والمكان والزّمان دلالتان :

-       العودة بنصّ الرّواية إلى مناهل التراث وروافده فالشخصيّات مغرقة في بعدها التراثي إسما أو سلوكا وكذلك المكان فهو عربيّ يعود بنا إلى عالم البادية والصحراء ( مكّة ) .

-       البعد الإيحائي الرمزي للفضاء المكاني والزماني وكذلك الشخصيّات والأحداث في رواية " حدّث أبو هريرة قال ..." .

- يؤسس الحوار بين أبي هريرة والصّديق مفارقة في الوعي بالأشياء والوجود أو في إدراك مدلولاتها إذ كان بكاء الصّديق تعبيرا عن وعي حادّ بتلك المفارقة بين معنى الحياة والموت إذ يمثّل بكاؤه استفاقة على روعة الحياة وفتنتها أو متعة الوجود ولذّته غير أنّ أبا هريرة لم يدرك ذلك التناقض بين حالين ما يحياه بين أهله في مكّة وما يراه في الصحراء الممتدّة ولم يدرك ما بينهما من بعد والمسافة بين الحالين هي مسافة وعي وإعادة اكتشاف للوجود ستتحوّل في المغامرة إلى تجارب.

 

ليست هناك تعليقات:

  شعريّة النصّ الحماسي عند أبي تمام والمتنبّي وابن هانئ   ليست   الحماسة غرضا شعريا قائما بذاته ضمن أغراض الشعر العربي المعروفة   التقل...