التمهيد: مثّلت
"مغامرة رأس المملوك جابر" مغامرة مسرحيّة عبّرت عن تجربة فنيّة لامست
الشكل المسرحيّ ومضامينه وكانت استلهاما فنيّا لخصائص المسرح الملحمي واستحضارا
جماليّا للتراث العربي شكلا حكائيّا ومادّة تاريخيّة وفي هذه التجربة (تجربة مسرح
التسييس) ميّز سعد الله ونوّس بين المسرح السياسي ومسرح التسييس إذ كان المسرح
السياسي تزييفا للوعي وتغييبا للجمهور أما مسرح التسييس فيقوم أساسا على تشريك
الجمهور وتوريطه في العمل المسرحي في إطار رؤية فنيّة تلغي حياد المتلقي وتقحمه في
صميم الفعل السياسي وهو بذلك دعوة إلى التفكير والتغيير ولئن أكّد سعد الله ونوّس
في أعماله المسرحية التي كوّنت تجربة مسرح التسييس على ضرورة تشريك الجمهور وإيقاظ
الذهنيّة النقديّة لديه فإنّ صورة "الرعيّة" كانت معبّرة عن صورة
المجتمع العربي المأزوم والمهزوم والفاقد لإرادة التحرّر أو التغيير.
الموضوع: تصوير
الواقع السياسي والاجتماعي في بغداد زمن الخليفة المنتصر بالله
المقاطع: ينقسم
النصّ إلى ثلاثة مقاطع (الشخصيّات).
1- من البداية
---------- الأمان: الحكواتي
2-
عندما:------------ س 40: أهل بغداد.
3- البقيذة:
الزبائن.
الخصائص
الفنيّة |
المضامين |
الشخصيّات: 1- الحكواتي خصائص الحكي
(السرد) 2- أهل بغداد العلاقات بين
الشخصيّات 3- الزبائن الخطاب
المسرحي: 1- الحوار. 2- الإشارات
الركحيّة: التأليف: |
هي شخصيّة
تراثيّة استلهمها ونوّس من فضاءات التراث المشرقي غير أنّها تمثّل خيارا جماليّا
(فنيّا) مناسبا لاتجاهات المسرح الملحمي من خلال ذلك الجمع بين المحيّ (السرد)
والمرئيّ (الفعل). كان الحكي
مستجيبا لكثير من خصائص السرد القديم من حيث نسبة فعل الرواية إلى راو مضمّن في
الحكاية "قال الراوي" على نحو يستجيب لثنائيّة السند والمتن في الخبر
القديم كما أنّ تعيين الزّمان ( قديم الزمان وسالف العصر والأوان..) يوحي بملمح
الحكاية التراثيّة ( حكايات ألف ليلة وليلة) غير أنّ هذا التعميم سرعان ما يرتدّ
إلى بعده التاريخيّ مكانا وشخصيّات وأحداثا (بغداد ,الخليفة المنتصر بالله,
وزيره محمد العبدلي, زمن الاضطرابات السياسيّة..) ويمكن أن نستنتج جمعا من
الملاحظات: -
تمثّل شخصيّة
الحكواتي شخصيّة واصلة بين مكانين وزمانين أي بين المقهى فضاء للعرض وبغداد فضاء
للحكاية وبين زمن الحاضر وزمن الماضي. -
إنّ هذا
التناوب والمراوحة بين فعل الحكي وفعل العرض (المحكي والمرئي) أسلوب فنيّ اختاره
سعد الله قصد كسر الإيهام واستعادة وعي المتلقي وتعطيل التفاعل الوجداني وتحقيق
التفاعل العقلي . -
إنّ فعل الحكي
(السرد) يبقي على مساحة فاصلة بين المتلقي وأحداث الحكاية وهنا يغيب دور
المحاكاة وينتهي فعل الإيهام على عكس ما يقوم عليه المسرح القديم.. -
قامت مسرحيّة
مغامرة رأس المملوك جابر على بنية ثنائيّة من حيث الشخصيّات والمكان والزمان وهو
ما يمكّن سعد الله ونوّس من تحقيق أسلوب التناوب والتداخل ولئن كان هذا التداخل
أسلوبا فنيّا من أساليب مسرح التسييس (المسرح الملحمي) فإنّه (التداخل) كان
محمّلا بمضامين سياسيّة واجتماعيّة تقوم على بنية التماثل بين المكانين
والزمانين فالتاريخ انعكاس للحاضر وما تميّز به زمن الخليفة في بغداد من فتن
سياسية واضطرابات اجتماعية يتميّز به حاضر العرب . -
كانت شخصيّات
متنوّعة على قلّة عددها (5 ممثلين /3 رجال وإمرأتان) ويمكن
أن نستفيد بعض الملاحظات في دراسة الشخصيّات: -
المراوحة بين
الشخصية الجماعيّة والشخصيّة الفرديّة والمراوحة بين الرجال والنساء. -
غياب الهويّات
الخاصّة والإشارة إلى الممثّلين على أنّهم مجموعة أرقام (رجل1/..). -
إنّ تحويل
الشخصيّة المسرحيّة إلى مجرّد ممثّل يؤدي دورا أمام الجمهور سرعان ما يتخلّى عنه
هو شكل من أشكال التغريب وتقنية من تقنيات كسر الإيهام فالممثّل لا يتقمّص الدور
على نحو من المحاكاة التامّة وإنّما هو شخصيّة تمثّل وتدرك أنّها تمثّل (خلق
مسافة فاصلة بين الممثّل والدور هو أحد أشكال التغريب..) هي علاقة
محكومة بالتواصل المكاني (أهل بغداد ) والزماني (الإطار التاريخي للأحداث) وهو
تواصل معبّر عن صورة نمطيّة (نموذج) لمجتمع يتّفق في بنيته الفكريّة وواقعه
الاجتماعي . -
يمثّل حضور
الزبائن عودة إلى فضاء المقهى والحاضر ولئن كان الحضور تعليقا فإنّه يؤكّد
أمرين: -
تشريك الجمهور
في صياغة المسرحيّة وصناعة العرض وهو مبدأ من مبادئ المسرح الملحمي . -
كسر الإيهام
عبر قطع العرض والعودة إلى الحكي أو التعليق . -
تأكيد عناصر
التماثل بيا الواقع التاريخي (واقع أهل بغداد) والواقع الراهن الذي يعانيه
الزبائن (ثنائية الزمن والتاريخ). - كان مجموعة
من المخاطبات وكان حوارا متعدّدا اتّخذ نسقا تصاعديّا من التعبير عن الواقع إلى
الشعور بالأزمة ومعاناتها ولقد مكّن تنوّع الشخصيّات وتداخل مخاطباتها وردودها
من التعبير عن موقف جماعيّ ( وطأة الأزمة السياسيو وأثارها الاجتماعيّة). كما كان
الحوار في بنيته الأسلوبية والتركيبية مزيجا جامعا بين الجملة التقريرية
والإنشائيّة ويمثّل الإنشاء الأسلوب الغالب على القسم الأخير منه (الجمل
الاستفهامية..) وبذلك يكتسب
الحوار وظيفة الاستبطان أي التعبير عن العوالم النفسية للشخصيّات ويحدّد العناصر
الأساسية للبناء الدرامي (الفعل المسرحي) عبر الدفع بالحكاية التاريخية في بنية
ثنائية تشكّل العناصر الأولى للصراع السياسي والاجتماعي (ثنائيّة الخوف والجوع
والقمع والطاعة..) يكشف الحوار علاقة الراعي بالرعيّة وهي
علاقة محكومة بمشاعر الخوف والطاعة والقمع فالراعي (السلطة السياسيّة) أداة
استبدا وقمع وأمّا الرعيّة (الشعب) فصورة للاستسلام والخضوع. -وردت
الإشارات الركحيّة في موضعين في هذا النصّ: * تحويل
الخطاب السردي إلى خطاب مسرحي أو تحويل الحكاية إلى عرض (الانتقال من المحكي إلى
المرئيّ). * استعادة
الحكواتي لعمليّة الحكي (السرد) والعودة إلى فضاء المقهى وزمن الحاضر وبذلك
تكتسب الإشارات الركحيّة وظيفة إخراجية توكّد أسلوب التناوب بين السرد والعرض
وهذا التناوب أسلوب أصيل من أساليب المسرح الملحمي وتقنية من تقنيات التغريب. البناء
الفنّيّ: - التناوب بين
المحكيّ والمرئيّ عبر المراوحة بين فعل الحكي والعرض. - التداخل بين
فضاء المقهى وفضاء التاريخ (مسرح داخل المسرح). - التداخل بين
مساحة الجمهور ومساحة العرض. - تعدّد
تقنيات التغريب في هذا النصّ وتنوّع أساليب كسر الإيهام. البناء
الدلالي: - يطرح هذا
النصّ المسألة السياسية وعلاقتها بالمسألة الاجتماعيّة ضمن منظور فني يميّز بين
المسرح السياسي بما هو فضاء للتزيف والخداع ومسرح التسييس باعتباره تجربة
مسرحيّة تقوم أساسا على تصوّر جديد لدور الجمهور أو المتلّقي الذي تجاوز الحياد
السلبي ليكون شريكا في صياغة المسرحية وصناعة العرض والجمهور في فضاء التاريخ لا
يختلف عن الجمهور في فضاء الواقع من حيث الخصائص النفسيّة أو المعالم الاجتماعية
فهور جمهور محبط ومأزوم في عصر غلبت عليه الفتن السياسية والموامرات والخيانات
وغلبت عليه مشاعر الخوف والجوع والقمع.. إنّ كشف
الواقع بما هو واقع مأزوم يشكّل بداية ضرورية للوعي باعتباره مقصدا من مقاصد
الكتابة في مسرح التسييس فالمسرحيّة لا تكمن قيمتها في ذلك البعد الجمالي الممتع
(الفرجة) وإنّما تكمن قيمتها في تحريض الجمهور على التغيير ودعوته إلى فهم عيوب
الواقع واكتشافها. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق