الجمعة، 29 أبريل 2022

المسرحيّة: مغامرة رأس المملوك جابر لسعد الله ونوّس. النصّ السادس: المصير الفاجع :

 

التمهيد:

يصل المملوك جابر إلى بلاد العجم ويستعجل العودة إلى بغداد للفوز بالمكافأة بعد لقاء ملك العجم "منكتم" الذي اطّلع على الرسالة وما فيها فاستودعه السيّاف استجابة لتوصية الوزير "اقتل حامل الرّسالة من غير إطالة" وبهذا التجسيد المسرحي للنهاية تتحرّك ردود فعل الزبائن ( تداخل الركحين والحكايتين).

النهاية المأساويّة سمة أسايّة من سمات المسرج التراجيدي حيث ينتهي بطل المغامرة نهاية فاجعة ويكون مآل البطل التراجيدي في المسرح الكلاسيكي قدرا محتوما تفرضه القوى الغيبيّة (الآلهة) باعتبارها عنصرا من عناصر الصّراع أمّا في المسرح الملحمي فالنهاية حتميّة تارخيّة تخضع لضرورات التاريخ شروطه وفي مسرحيّة "مغامرة رأس المملوك جابر" كانت النهاية الفاجعة بعضا من اختياراته أو كانت لعبة لم يحسن فهم قواعدها أو التحكّم في مآلاتها ولذلك كانت النهاية كشفا لحقيقة شخصيّة جابر على نحو صادم وقاس يعيد طرح السؤال على الجمهور ويسقط ذلك القناع الذي أخفى ملامح الشخصيّة الانتهازيّة التي خانت بلدها وأهلها وسلّمت وطنها للأعداء قصد تحقيق أوهام الذات ونزواتها ولم تكن النهاية على قسوتها إلاّ اختيارا فنيّا يتجاوز البعد التراجيدي في المسرحيّة ليقع في صميم مسرح التسييس إنّ نهاية جابر سؤال ينضاف إلى مجموع الأسئلة التي شحنت بها المسرحيّة سياسيّا واجتماعيّا وحضاريّا لقد كانت النهاية مباغتة وشكلا من أشكال كسر أفق التوقّع وانحرافا بمسار الأحداث نحو الفاجعة وبذلك تستحثّ في المتفرّج رغبة التساؤل الواعي عن مواطن الخلل وموضع الخطأ..إنّ النهاية وقسوتها بداية لاكتشاف مناطق الخلل في الواقع.

الموضوع: نهاية جابر وموقف الزبائن منها.

المقاطع:ينقسم النصّ إلى ثلاثة مقاطع (المسرح داخل المسرح).

1- من بداية النصّ ---------- ما يحدث له: في الركح الخارجي (المقهى) :التمهيد للنهاية.

2- من السطر العاشر:--------الرحمة ,الرحمة: في الركح الداخلي (التاريخ): إعداد جابر لمصيره المفجع.

3- بقيّة النصّ: تداخل الركحين: تقييم النهاية.

 

الخصائص الفنيّة

المضامين

1- فضاء المقهى(الزبائن-الحكواتي)

 


 

 

وظائف الحوار:

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


الإشارات الركحيّة:

 

 

 

 


تقديم شخصيّة لهب

 


شخصيّة جابر:

 

 

خطاب جابر (الهذيان)

- ورد هذا المقطع في شكل لوحة سرديّة محكيّة خالية من الإشارات الركحيّة وهو ما يجعلها تستجيب لفضاء السّمر والمؤانسة " باختصار إنّي أقترح شكل سهرة المنوّعهات لعرض المسرحيّة ولا شكّ أنّ جوّ المقهى يتيح لنا فرصة ممتازة لذلك"-سعد الله ونوس- فينجح الحكواتي في إثارة اهتمام الزبائن وتلهّفهم لمعرفة النهاية.

- يمثّل القسم الثاني من السرحيّة تسريعا لإيقاع الحكي عبر تكثيف حضور الحكواتي (تسريع النهاية).

- المقابلة بين تدخّلات الزبائن وخطاب الحكواتي فالأولى مخاطبات قصيرة وإنشائيّة (التعجّب والاستفهام) والثانية مطوّلة تقريريّة مزجت بين السّرد والوصف وهذه المقابلة في مستوى أسلوب الخطاب مهّدت لمقابلة في مستوى المواقف من النهاية الفاجعة. (موقف حيادي مقابل موقف انفعالي وجداني)

+ الوظيفة الدراميّة: فخطاب الحكواتي يقع في صميم لحظة فارقة من مغامرة شخصيّة جابر ( الوصول إلى بلاد العجم وانتظار المكافأة) ومن خلال الجمع بين شخصيّة جابر وشخصيّة السيّاف تتكشّف ملامح النهاية ( النهاية الفاجعة).

+ اختزال الأحداث وانحدار الفعل نحو النهاية المفجعة.

+ بناء العرض الختامي على مشاركة الجمهور تحقيقا لرؤية سعد الله ونوس المسرحيّة (تجاوز التلقّي السلبي عبر المشاركة الإيجابيّة من خلال التداخل بين المساحتين وكسر الإيهام).

+ تشكيل لوحة مسرحيّة قائمة على عنصر القسوة والنهاية الصادمة (مسرح القسوة) قصد إيقاظ وعي المتلقي فالنهاية القاسية تعيد رسم التوقّعات وتطرح أكثر من سؤال (إنّ واقعا متأزّما يحتاج إلى صورة صادمة توقظ في المتلقّي وعيا جديدا بالأحداث والوقائع)

+ تغيير بعضا من ملامح شخصيّة جابر من شخصيّة ذكيّة مغامرة إلى شخصيّة منفعلة ومنهارة وضمن هذا التقابل ينشأ حيّز (فضاء) للتفكير واكتساب وعي جديد.

- تعلّقت الإشارة الركحيّة بالفضاء المكاني (غرفة لهب) وتمثّل الغرفة شكلا من أشكال حضور السلطة السياسيّة من خلال رمزين من رموزها وهما السجن أو غرفة الإعدام والسّياف كفعل سلطوي قمعي وعلى هذا النحو من الحضور كانت شخصيّة جابر شخصيّة شاهدة على آثار السلطة (ديوان الوزير-السجن-غلرفة الإعدام..).

      يؤكّد ونوس من خلال هذا الفضاء الركحي على أشدّ أشكال السلطة حضورا في الواقع السياسي العربي ماضيا وحاضرا (السجن وغرفة الإعدام) ويتعلّق الفعل السياسي بالقمع والظلم والاستبداد.

- "لهب صامت جامد وجهه معدن بارد ويبدو شديد اللامبالاة" وعلى هذا النحو يكتسب السيّاف بعدا ترميزيّا إذ يشير إلى دلالة الزمن وفعله :إنّ الزمن هو الذي ينهي الأشياء عبر سيرورة تاريخيّة تخضع لإرادة الأفراد وأفعالهم وفي مغامرة جابر كانت النهاية التارخيّة حتميّة (محكومة بالضرورة).

- كشفت الإشارة الركحيّة منحى التحوّل الدرامي في شخصيّة جابر " يجول جابر في أنحاء الغرفة ويبدأ في التعرّق" وضمن أسلوب التغريب تكتسب شخصيّة جابر ملامح مغايرة لما ألفه المتفرّج ( جابر الواثق من نفسه والمعتدّ بحيلته والذكيّ المغامر..)ومن خلال التباعد بين الصورتين يفتح سعد الله ونوس للمتلقي مساحة للاكتشاف.

+ كان حوار جابر شكلا من أشكال الطرادة ( المخاطبة المطوّلة المسهبة)ىوهو خطاب مطوّل قائم على الاسترسال الانفعالي ويعبّر عن حالة الخوف والاضطراب التي تعيشها الشخصيّة.

+ ثنائيّة الكلام والصمت: يتحوّل خطاب جابرإلى مايشبه الحوار الباطني.

+ التداخل بين الواقع والوهم من خلال التداخل بين الحوارات والإشارات الركحيّة (أنا الآن رجل رجل رفيع المقام ولي زوجة وثروة)) لهب يطرح جابر أرضا ويجبره على الركوع ويوثق رجليه أيضا)

+ كان الحوار أحاديّا جعل من حديث جابر ضربا من ضروب الهذيان وخضع نظامه لمنطق الاسترسال والتداعي ومن خلال رسم ملامح النهاية القاسية وتكثيف مشاعر الخوف التي استبدّت بجابر " الاستعطاف والخوف" تنفير للمتفرّجين وإنقاذ لوعيهم من أجل إعادة تقييم شخصيّة جابر انطلاقا من بعدها السلبيّ (الخوف والحيرة والتوسّل).

+ أثار جابر في خطابه مسألة أساسيّة تمثّل محورا دلاليا من محار المغامرة وهي مسألة السعادة والشّرف فجابر يفاخر بحيلته على أنّها شرف يستحقّ المكافأة غير أنّ ونوس يجعل من هذا التقييم للمغامرة شكلا من أشكال التزييف ويدفع المتفرّجين نحو إدانة جابر فنهاية القاسية مستحقّة لأنّ حيلته وأفعاله خيانة وغدر ( الاستعانة بالأعداء لتخريب الأوطان).

+ كانت نهاية جابر ضرورة تاريخيّة (حتميّة) لأنّه شخصيّة وصوليّة انتهازيّة استثمرت الصراع السياسي لتحقيق مطامع شخصيّة واستباحت المحرّم وتلاعبت بالمبادئ وخانت الوطن.

 

 

3- التداخل بين الركحين ( الحوار بين المساحتين).

الحوار : كان حوارا متعدّدا جمع بين الحكواتي والزبائن والسيّاف.

الزبائن: قام حوارهم على المرواحة بين الخبر( النفي – التأكيد) والإنشاء ( الاستفهام – التعجّب )

التعاطف والشفقة والإنكار .

ورد في المسرحيّة ما يثير الانتباه فقد مثّلت شخصيّة الزبون الرّابع تجاوزا للموقف الجماعيّ وكذلك شخصيّة الرّجل الرّابع الذي كان صوتا نشازا يختلف عن العامّة ولعلّ في هذا الاختلاف ما يوحي بوظيفة الفنّ المسرحي ( الفنّ الرّابع) فالفنّ المسرحي في رؤية سعد الله ونّوس له أن يضطلع بوظيفة التنوير والتثوير وإيقاظ العقول ومساءلة السائد ومحاكمة الواقع.

خطاب السيّاف:

يتحوّل السيّاف من الصمت والهدوء إلى مخاطبة الجمهور خطابا يختزل المغامرة ويجملها ويشير السيّاف في خطابه للزبائن إلى أشدّ مواطن المفارقة في مغامرة المملوك جابر( الوهم والحقيقة ) ومن تلك المفارقة تنشأ المأساة وخطاب السيّاف إنّما يجسّد فعل الزمن وحتميّة التاريخ ويوقظ في وعي الجمهور تلك الأسئلة التي تجاهلها المملوك جابر فبين الموت وهذه العودة المسافة سؤال ( الحكواتي : ولم يسأل السؤال )

لقد أشار السيّاف إلى تلك المناطق التي لم يتسرّب إليها سؤال الجمهور ولم ترتدها حيرته .فقد موّه الحكواتي كما سعد الله ونّوس شخصيّة جابر (الذكاء.الفطنة .المرح) فكانت النهاية صادمة وفاجعة وعلى عتبات النهاية يتوقّف الجمهور عند أسئلة الحكاية وتبدأ أسئلة القضايا والدلالات ولعلّ اهمّها:

-       لماذا تخيّر سعد الله ونوس مغامرة المملوك جابر مادّة دراميّة استلهمها من التراث أي لماذا التقط ونوس من ذلك المدى التاريخي المشبع بالانتصارات ,لماذا التقط مرحلة الهزيمة؟

-       يجيب سعد الله ونوس عن سبيب تخيّره لمغامرة راس المملوك جابر لانّه يتعمّد إثارة السلبيّة وتضخيم موضع الخلل في الواقع السياسي والاجتماعي فمسرح التسييس هو ذلك السؤال الجارح والمشهد المؤلم الفاجع الذي يتجاوز احتفالات النصر (دأب كثير من الكتّاب المسرحيين على انتقاء لحظات النصر التاريخي وترويجها لدى الجمهور كشكل من أشكال تعمية الواقع وتمويهه).

-       إنّ ما يخشاه ونوس هو أن يتحوّل مسرح التسييس إلى شكل من أشكال " الوعي الجاهز " أي ذلك المسرح الذي يقدّم الإجابة ويمتع الناس ويجيب عن حاجاتهم في حين أنّ جوهر مسرح التسييس هو الإشارة إلى مواضع الخلل والوجع ( إيقاظ عقول الناس وتنويرها).

-       الإيماء شكلا من أشكال التغريب: " يتمّ ذلك إيمائيّا وأمام المتفرّجين " في إطار الاستفادة من المسرح الملحمي وعبر تكثيف عناصر التغريب لجأ ونوس كشكل إخراجي إلى تجسيد بعض المشاهد إيمائيّا مثل حلق الرأس ,رحلة المملوك جابر إلى بلاد العجم, قطع الرأس, ثمّ خراب بغداد " ويمثّلون إيمائيّا أو هتك العرض" .

-       إدماج الجمهور في العرض المسرحي وكسر الجدار الرّابع : أشكال التغريب تساهم في تحقيق حلم ونوس في مسرح شعبي حيّ وفعّال.

-       تعميق البعد التراجيدي في نهاية المسرحيّة وفتح النهاية على مداليل المغامرة فشخصيّة جابر ضحيّة لاختياراتها الوصوليّة والانتهازيّة .فما لم يدركه جابر هو ذلك الحدّ الفاصل بين الشرف والخيانة والسعادة والفاجعة "بين الموت والعودة مسافة سؤال : ولم يسأل السؤال "

-       يقول سعد الله ونوس : " الصورة التي هزّتني وأثّرت فيّ وبالتالي انعكست في أعمالي هي صورة الانسان العربي المهزوم والمقهور الذي يلتمس إمكانيّة أن يتفتّح وأن يحمل قدره بنفسه ولكنّه لا يجد حوله إلاّ الصعوبات والعراقيل والآكاذيب ,عراقيل سببها بالدرجة الاولى الوضع السياسي الذي يعيش فيه سببها القمع المنظّم الطويل الذي خضع له سببه أيضا شراسة القوى الخارجيّة التي تحاول هزيمته ومنعه من أن يتفتّح ويحمل قدره بنفسه" ويشير سعد الله ونّوس إلى وجوه الاختلاف بين المسرح التقليدي ومسرح التسييس ( مسرح بناء الوعي ) " يأتي الجمهور وهو يحمل أحزان يومه وهموم حياته فنمتصّ نقمته على الواقع ونحوّلها إلى ضحكات تملأ فراغ الصّالة ولا يتجاوز تأثيرها عتبة النفس والمسرح ونفرغه من شحنة غضب كان يمكن أن نوجّه إليها سهاما ونفجّرها فيه نارا حارقة".

ليست هناك تعليقات:

  شعريّة النصّ الحماسي عند أبي تمام والمتنبّي وابن هانئ   ليست   الحماسة غرضا شعريا قائما بذاته ضمن أغراض الشعر العربي المعروفة   التقل...