* لئن كانت الشخصيّات في حدّث
" أبو هريرة قال..." أبعادا لشخصيّة البطل في الرّواية تشير كلّ منها
إلى عناصر الانسان حسّا (ريحانة ) وروحا ( ظلمة ) وحضورا اجتماعيّا وعملا (
الجماعة ) وعقلا ( أبو رغال) فإنّها في نصّ الرواية شخصيّات لها حضورها وتجربتها
ورؤاها بعيدا عن شخصيّة أبي هريرة ومغامراته فلريحانة وجود نصّيّ ولها رؤية
وجوديّة قبل أن يلتقيها أبو هريرة فتعلّمه الجسد ومتعته وكذلك شخصيّة ظلمة لها
تجربتها ( التخلّص من الجسد وطلب المطلق ) أمّا أبو رغال فكان في النصّ أشدّ
الشخصيّات أثرا في ذات أبي هريرة وإلى حدّ ما كانت التجربتان متماثلتين في طلب
الحقيقة وفي الرحلة الدائمة بحثا عن جوهر الإنسان وحقيقة كيانه.
- تردّد ما بين العدم والوجود أو الفعل والعبث كانت
مسيرة أبي هريرة أو مغامرته الوجوديّة فما إن يدرك بعدا من أبعاد الإنسان حتى
يختبره ويجرّبه استقصاء لمضمونه وبحثا عن مدلوله الوجودي ونحتا لكيانه الباحث عن
معناه حتّى يرتدّ إلى ذاته خائبا مهزوما وقد أدرك يقين الوجود وحقيقة الحياة فهي
عبث وفناء غير إنّ إدراك ذلك اليقين لا يثني بطل المغامرة عن المضيّ في رحتله
والاستمرار في مسيره ليدرك المنتهى ويبلغ المطلق الأبدي الذي لا يفنى فقد كان به شوق
دائم إلى الحقيقة وتوق متجدّد لبلوغ اليقين " فإذا عينيه أشدّ ما رأيت شوقا
إلى ما تراه غيرها من العيون..".
- حديث الحكمة من الأحاديث التي اختارها المسعدي لبطل
المغامرة محطّة من محطّات تجاربه وهو في نصّ رواية "حدّث أبو هريرة
قال.." جماع للمتناقضات ولئن كانت خوضا لتجربة العقل فقد كانت إطلالة على
الجنون وعوالمه ومن خلال حديث الحكمة يعيد المسعدي من خلال بطل الرواية رسم تجربة
الشكّ والحيرة الوجوديّة تلك التي استقاها من التراث الإنساني (تجربة الشك في
الفلسفة الإغريقيّة ثم الغزالي في الفلسفة الإسلامية ثم ديكارت في الفلسفة
الغربيّة) " تهت في بعض حياتي وضللت السّبيل وكان قد بدأني الشكّ.."
- كان أبو هريرة يدرك أنّ مأساة الإنسان في تقلّبه بين
أشتات متفارقة وأبعاد متناقضة وكانت رحلته على امتداد الرواية استخلاصا للمعنى
واستقصاء لليقين أو حقيقة الوجود وما به يكتمل الكيان ويشتدّ اطمئنان الإنسان له
فأدرك في حديث الحكمة أنّ الكلّ ثاو في جوهر الإنسان وطبعه لا يفارقه ولا يستطيع
أن يفنيه أو يتفيه ( فشل تجربة الحسّ وتجربة الجماعة وتجربة الروح...) ولذلك كانت
تجربة الحكمة (العقل) منتهى رحلة أبي هريرة ومبلغ تأمّلاته الوجوديّة ومستقرّ
سؤاله وحيرته وكان على امتداد المغامرة كالطالب للمستحيل ( وقلت لم يبق إلاّ أن
أطلب ذاتي مطلقا وماهيتي وأعرض عن المحمول واللاحق والعارض..).
* دلالات المكان في حديث الحكمة:
- تتردّد في نصوص " حدّث أبو هريرة قال .."
عبارات تشير إلى معنى الرّحلة (السبيل..الطريق..السفر..الرحيل..الخروج..) وتكتسب
هذه العبارات معان رمزيّة ذهنيّة تتصّل بالرؤى الفكريّة الفلسفيّة فليست السبيل في
الرواية إلا إشارة رمزيّة لتلك المسيرةو الوجوديّة التي خاضها أبو هريرة عند
استفاقته الأولى في حديث البعث الأوّل أمّا البحر فهو فضاء التجربة في حديث الحكمة
والبحر رمز من رموز الرواية حيث تتشكّل معاني الامتداد والانعتاق والغموض وحيث
تلغى النهايات وتتّسع الأفاق أفاق الوجود والفكرة والمعنى وهو الإطلالة على المطلق
وهو توحّد الجوهر الإنساني مع أعراضه وصفاته وهو العمق الذي لا يحدّ والصفاء
والنقاء وهو كذلك تيقّظ العقل..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق