المحور الرّابع: المسرحيّة : مغامرة رأس المملوك جابر
سعد الله ونّوس
الأهداف:
يتمّ الاهتمام في مسرحيّة مغامرة رأس المملوك جابر لسعد الله ونّوس
بالمسائل التالية:
في الجانب الفنّي:
1- بناء النصّ المسرحي.
-
التضمين/التناوب بين السرد والحوار/ التداول بين المرئيّ والمحكيّ.
- الإشارات الركحيّة ودورها في بناء المسرحيّة (السياقات التاريخيّة,تحديد
فضاءات الأحداث..)
- أنواع العقد والمفاجآت ومساهمتها في نموّ النصّ المسرحيّ.
- النهاية المأساويّة
- دور الموارد التراثيّة في بناء النصّ المسرحيّ.
دور الروافد الغربيّة (المسرح الملحمي) في بناء المسرحيّة.
- عناصر الفرجة (الديكور..الظلال ..الأضواء).
2- الشخصيّة المسرحيّة:
-
البطل التراجيدي الكوميدي ( بناء الشخصيّة, خطابها ورمزيّتها..)
-
الراوي: (بناء الشخصيّة ,دورها ومراجعها..)
-
السائس (بناء الشخصيّة نفسيّا وذهنيّا..)
-
المتفرّجون( التنوّع والاختلاف وأوجه الاتفاق..).
3-العلاقات
بين الشخصيّات:
-
أوجه التقابل بين الخليفة والوزير وأعوان كلّ منهما.
-
أوجه الخلاف بين الرّاعي والرّعيّة.
-
أوجه الاختلاف والائتلاف بين الحكواتي وحرفاء المقهى.
-
الظاهر والباطن في علاقة العرب بالعجم.
4- الحوار
المسرحي:
*أصنافه :منفرد,ثنائيّ, جماعيّ ( بين الرّكح والمتفرّجين..)
* بناؤه: مواضعه ,أطرافه, تناميه..
* تنظيمه: توزيع الأدوار, تنظيم المواقف, توقيت التدخّلات..
* لغته: (بنية الجملة ,أساليب الحذف والاختزال ,المعاجم المتداولة ..)
*أساليبه: الغنائيّة, التقريريّة, الحجاجيّة..
* سجلاّته: العاميّ والفصيح..
في الجانب المضمونيّ:
علاقة الرّاعي بالرعيّة / علاقة الرّاعي بالحاشية/ الفتن السياسيّة/
المثقّف والمجتمع / الحبّ والسياسة/ العقل والعاطفة/ السعادة والشّرف/ الزمن
والتاريخ /توظيف التراث في الفنّ المسرحي.
تمهيد:
سعد الله ونّوس وروافد الكتابة المسرحيّة.
كان المسرح العربي منتذ نشأته في نهاية القرن التّاسع عشر منجذبا إلى
التجارب المسرحيّة الغربيّة مستلهما أشكالها وتصوّراتها مجتهدا في تنزيل تلك التجارب
في فضاء عربيّ يلغي السياق الغربيّ ويستوعبه ولقد كان المسرحيّ السوريّ سعد الله
ونّوس علامة من علامات التجريب المسرحيّ ( التجريب أو المسرح التجريبي هو عمليّة
إالغاء دائمة للأشكال الفنيّة الجاهزة والمستهلكة وهو كذلك عمليّة بحث دائبة عن
أشكال فنيّة تستوعب تغيّرات الواقع وانحرافاته ..).
خاض سعد الله ونوّس في المسرح الجديد التجربة المسرحيّة متأثّرا بالتيّار
الوجوديّ واستلهم في مسرحيّاته نماذج إنسانيّة تعود إلى الإرث المسرحي أو الفلسفيّ
الإغريقيّ وكانت كتاباته المسرحيّة في تلك الفترة تعبيرا عن تجربة تجديد تبحث عن
صياغة تلائمها..
- السفر إلى فرنسا وهزيمة 1967:
تمكّن سعد الله ونوّس في سفره إلى فرنسا للدّراسة من الاطّلاع على التجارب
المسرحيّة الغربيّة والتمكّن منها أعمالا مسرحيّة وتنظيرات نقديّة فقد التقى بأكثر
رجالات المسرح ونقّاده تأثيرا في أوروبا ..وفي فرنسا اطّلع على تجربة المسرحيّ
الألماني ّ بريخت (1898-1956) وهو صاحب التوجّه الملحمي في المسرح (المسرح الملحمي
théâtre epique) والذي يمثّل تجاوزا للمسرح التقليدي الذي تأسس على تصوّر أرسطو
في كتابه " فنّ الشعر" فالمسرحيّة حسب أرسطو هي " محاكاة فعل نبيل
تام لها طول معلوم وهذه المحاكاة تتمّ بواسطة أشخاص يفعلون لا بواسطة
الحكاية.." وهذه المحاكاة تستهدف جمهورا قصد التطهير Catharsis أو التنفيس الوجداني (عاطفة
الشفقة والخوف).
لقد كان المسرح
التقليدي وسيلة إمتاع تحاكي الواقع وتمثّله على نحو ممن النصّ المنجز التام ويكتفي
الجمهور بالتلقّي والإنصات والمشاهدة ويظلّ منشدّا إلى أحداث المسرحيّة وشخصيّاتها
انشدادا وجدانيّا يقوم على "الإيهام" أي ذلك التقمّص الوجداني والتمثّل
الشعوري الّذي يعيشه المتفرّج عبر التّماهي التام ..
إنّ بنية الفضاء المسرحي التقليدي ( هندسة الفضاء المسرحي) تؤكّد على عزل
الجمهور باعتباره عنصرا صامتا يكتفي باستهلاك معاني المسرحيّة استهلاكا وجدانيا
فهي جمهور سلبي مغترب ..
كان المسرح الملحمي تجربة فنيّة ثوريّة أعادت صياغة الرؤى الفنيّة
والوظيفيّة للمسرح وأعادت تشكيل المفاهيم عبر إنتاج بدائل نظريّة وتجريبيّة تجاوزت
أساسيّات المسرح الأرسطي..فقد ألّف المسرح الملحمي بين العرض والجمهور والخشبة
والقاعة والممثّل والمتلقّي على نحو من التّكامل والتفاعل الإيجابي (كسر الجدار
الرّابع) وضمن هذا التداخل بين الفضائين يتحوّل الجمهور إلى شريك في صياغة
المسرحيّة وعرضها وبذلك يتجاوز صورة المتفرّج السلبي الذي يتأثّر ويتعاطف ويتماهى
وجدانيّا مع شخصيّات المسرحيّة وأحداثها فيتحوّل الجمهور إلى عنصر من عناصر
المسرحيّة يشارك وينتقد ويغضب ويبدي رأيه ويعبّر عن موقفه لقد كان " كسر
الإيهام" شكلا من أشكال إثارة الذهنيّة النقديّة في المتفرّج عبر تجديد
التصوّر والفضاء (تجاوزر الفضاء المسرحي التقليدي..) وضمن هذه التجربة المسرحيّة
الحديثة تشكّلت تقنيات للعرض والتمثيل تتناسب مع تصوّرات المسرح الملحمي ومنها
أساسا تقنيات " التغريب".distanciation.
مسرح التغريب:
يعتمد على مبدأ تشريك الجمهور وكسر الإيهام عبر تقنيات إخراجيّة تساعد
الجمهور على تفهّم الواقع واكتشاف عيوبه وتغييره ..وهو إعادة صياغة المألوف صياغة
غريبة تغري بالاكتشاف وتثير الانتباه والاستغراب وتعيد طرح السؤال ..سؤال الوعي
..وهو إحداث مسافة بين المتفرّج والواقع عبر ما يعرض من صورة مموّهة أو محرّفة هي
ظلال الواقع التي يتسرّب منها نور الوعي ورغبات التغيير.
"إن التغريب
يسعى إلى تغيير منظور المتلقي الاعتيادي للأحداث الدائرة على خشبة المسرح من أجل
خلق علاقة بينهما قوامها التفاعل المتبادل. وعلى الرغم من سوء الفهم الذي أحاط
بهذا المفهوم ، فإن إسهامات بريخت قدمت عدداً من المنطلقات التي تتعلق بدراسة المتلقي
في المسرح ، وقد أسست هذه الإسهامات ممارسةً مسرحيةً متطورةً تهتم بعمليتي الإنتاج
والتلقي بشكل واع ، ومن ثم أصبح العرض ، في هذا السياق ، مشروعاً تعاونياً بعد أن
كان وحدة منفصلة قائمة بذاتها لا تطلب من المتلقي إلاّ أن يؤدي دور المتلقي فقط.
وهكذا أصبح له دور نشط يؤديه ، وجرى الاعتراف بأهميته المركزية في التجربة
المسرحية.
وإذا
كان المسرح الدرامي يثير أحاسيس المتلقي ومشاعره ، فإن المسرح الملحمي يدفعه إلى
اتخاذ قرارات إزاء ما يحدث والحكم عليه. وإذا كان المسرح الدرامي يقدم للمتلقي
تجربةً يعايشها وجدانياً ، فإن المسرح الملحمي يقدم له صورةً للعالم يتأملها
عقلياً. وإذا كان المسرح الدرامي يسعى إلى تحقيق تماهي المتلقي ، أو تورطه في
الأحداث ، فإن المسرح الملحمي يسعى إلى مواجهة المتلقي بالأحداث مواجهة موضوعية.
وإذا كان المسرح الدرامي يثير المشاعر الغريزية لدى المتلقي ، ويلعب عليها ، خفيةً
، بنعومة ، فإن المسرح الملحمي يخرج المشاعر الغريزية إلى النور ، ويدفع المتلقي
إلى إدراكها بوعيه. وأخيراً إذا كان المتلقي في المسرح الدرامي يشعر أنه في خضم
الأحداث ، وجزء من التجربة الإنسانية المقدمة ، فإنه يقف في المسرح الملحمي خارج الأحداث
ويدرسها."
مسرح التسييس
•
شكّلت هزيمة 67
حدثا صادما تجاوز مستوى الجماهير الحالمة بالنصر واستعادة الأرض ليبلغ مستوى
النخبة المثقفة التي روّجت لأوهام النصر والكرامة في تحالف مفضوح مع رموز السياسة
والسلطة حين كان العمل الفنيّ أداة دعاية سياسيّة ورّطت المثقّف وأوقعت الإنسان
العربي في شرك السلطة وخديعة الساسة ..كانت الهزيمة لحظة مراجعة للاختيارات الفنية
والرهانات الثقافية وضمن أسئلة الهزيمة ( الوعي بالهزيمة) كانت تجربة سعد الله
ونوس المسرحيّة شكلا من أشكال التجريب الفنيّ لإمكانات جماليّة يستوعبها المسرح العربي رؤية جمالية وموقفا فكريّا من واقع
عربيّ مأزوم ومن إنسان عربي ” وعيه مستلب
وذائقته مخرّبة وثقافته الشعبيّة تسلب“.
•
مسرح التسييس: ”
يجب التنبيه إلى أنّ هناك فارقا كبيرا بين ” المسرح السياسي“ و ” مسرح التسييس“
..وأحدّد بسرعة مفهوم هذا ”المسرح“ على أنّه حوار بين مساحتين : الأولى هي العرض
المسرحي الّذي تقدّمه جماعة تريد أن تتواصل مع الجمهور وتحاوره
والثانية هي جمهور
الصالة الّذي تنعكس فيه كلّ ظواهر الواقع ومشكلاته.....إنّني أحلم بمسرح
تمتلئ فيه المساحتان .عرض تشترك فيه
الصالة عبر حوار مرتجل وغنيّ يؤدّي في النهاية إلى هذا الإحساس العميق بجامعيتنا
وبطبعة قدرنا ووحدته. ( هوامش للعرض والإخراج)
سؤال: كيف تحدّد
هنا مفهوم التسييس؟
"يتحدّد مفهوم
التسييس من زاويتين متكاملتين . الأولى فكريّة وتعني أنّنا نطرح المشكلة
السياسيّة من خلال قوانينها العميقة
وعلاقتها المترابطة والمتشابكة داخل بنية المجتمع الاقتصاديّة والسياسيّة....إنّ
الطبقات الّتي يتوجّه إليها مسرح التسييس هي الطبقات الشعبيّة الّتي تتواطأ عليها
القوى الحاكمة كي تظلّ جاهلة وغير مسيّسة الطبقات التي يؤمل أن تكون ذات يوم بطلة
الثورة والتغيير من هنا كان التسييس محاولة لإضفاء خيار تقدّمي على المسرح
السياسي.
أمّا الثانية في
مفهوم التسييس فهي تلك التي تهتمّ بالجانب الجماليّ ...إنّ هذا المسرح الّذي يواجه
مثل هذا الجمهور لابدّ له من البحث عن أشكال اتصال جديدة ومبتكرة لا يوفّرها دائما
التراث الموجود في المسرح العالمي أو العربي"
لقد كانت مسرحيّة سعد الله ونوس "
مغامرة رأس المملوك جابر" تأصيلا جماليّا لمقولات المسرح الملحمي ومفاهيمه
وتنزيلها في بيئة عربيّة عبر أشكال فنيّة مستلهمة من التراث مادّة تاريخيةّ (
الأمثولة أو الحكاية التاريخيّة ) وصياغة مسرحيّة (الحكواتي) غير أنّ تجربة سعد
الله ونوس في بعدها الجمالي القائم على استلهام الرؤى الفنية للمسرح الملحمي كما
ترسخت عند رائده المسرحي برشت والمرتدّة إلى التراث العربي نهلا من بعض أشكاله
الفرجويّة الشعبيّة لم تغفل المضامين والقضايا التي كانت مدار الفعل المسرحي في أعمال سعد الله ونوس ذلك أن محور السؤال عند ونوس
محيط بثلاثة أقطاب متلازمة "كيف نكتب ؟ والإجابة عن مثل هذا السؤال تتنزل
صميم التجربة الجمالية في مسرح ونوس ثمّ "لماذا نكتب؟ وعبر مثل السؤال تتداعى
مضامين مسرحيّات سعد الله ونوس وقضاياها وأمّا القطب الثالث فمتعلّق بسؤال: لمن
نكتب؟وعنه تتشكّل ملامح المتلقي في رؤية سعد الله ونوس " إنّ الطبقات الّتي
يتوجّه إليها مسرح التسييس هي الطبقات الشعبيّة الّتي تتواطأ عليها القوى الحاكمة
كي تظلّ جاهلة وغير مسيّسة الطبقات التي يؤمل أن تكون ذات يوم بطلة الثورة
والتغيير"
يجمع مسرح التسييس
بين وظيفتين: وظيفة الإمتاع ووظيفة الإفادة أي تعميق الوعي بشروط الواقع
وإمكانيّاته وإمكانيّة تغييره ودعوة الجمهور إلى فعل ذلك .." هي فرجة متعة
مفيدة تدفع المتفرّج إلى تأمّل واقعه..".
مسرح التسييس
والرّوافد التراثيّة:
وجد سعد الله
ونّوس في التّراث العربيّ الإسلاميّ وفي أصول الثّقافة الشفويّة رافدا من روافد
تجربته المسرحيّة (مسرح التسييس) عبر استحضار شخصيّة الحكواتي باعتبارها شخصيّة
تراثيّة وشعبيّة تمتلك المعرفة والقدرة على الإمتاع كما تمتلك القدرة على إنارة
الوعي وإثارة الوجدان كما استلهم من التراث العربي الإسلامي وقائعه التاريخيّة
وحكاياته الشعبيّة المعبّرة عن مراحل الهزائم والانتصارات ولقد جسّدت حكاية
المملوك جابر لسعد الله ونّوس مظهرا من مظاهر توظيف الحكاية التاريخيّة لمعالجة
قضايا الحاضر وهي بذلك انعكاس تغريبي للواقع حيث يستعير المسرحيّ عناصر التماثل
بين التاريخ والواقع والماضي والحاضر.
مثّلت الحكاية
التاريخيّة تقنية من تقنيات التغريب وكذلك شخصيّة الحكواتي التي جسّدت عناصر الوصل
بين الحكايتين والفضائين (فضاء المقهى وفضاء التاريخ) كما جسّدت عمليّة التناوب
بين الحكي والعرض والسرد والحوار.
لقد اعتمد سعد
الله ونّوس مبدأ التخييل التاريخيّ ليحدث تماثلا بين الحاضر والماضي ( الماضي
انعكاس تغريبي للحاضر) ليثير في وعي المتفرّج ضرورة إدراك عيوب الواقع الاجتماعي
والسياسي والديني والثقافي والحضاري ويدفع به إلى ضرورة تغييره.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق