المشاركات الشائعة

الخميس، 10 ديسمبر 2015

سبيبة: حملة أمنيّة وإيقافات في صفوف بعض التلاميذ والمواطنين.




نحن ندرك أنّ خيطا رفيعا يفصل بين الضرورة الأمنيّة والحقوق والحريّات .
لذلك نرجو ألاّ يؤخذ مظلوم بجريرة ظالم كما نرجو أن تتمّ المداهمات في إطار احترام حقوق النّاس.
محمد المولدي الداودي.

الإرهاب في تونس: سؤال الوطن ..سؤال المواطنة

الإرهاب في تونس: سؤال الوطن ..سؤال المواطنة


مازلت على يقين أنّ معالجة الظاهرة الإرهابيّة في تونس  لابدّ أن تمرّ  بطرح سؤال المواطنة.وأنا كذلك على يقين أنّ المعالجة الأمنية والعسكريّة لا تكفي للقضاء على هذا الفكر أو ما تمارسه الجماعات الإرهابيّة من جرائم في مواجهة الدولة.
كثيرون ولدوا وعاشوا ثمّ ماتوا ولم يشعروا قطّ أنّهم أبناء لهذه الأرض وهذه الدولة ...ولابدّ من الإقرار بحقيقة ثابتة في نفوس الكثيرين وهي أنّ الدولة التونسيّة منذ الاستقلال ليست لجميع سكّانها.
أسئلة ذات مضامين وجدانيّة تحدّد اختلاف الموقع والرؤية وتعيد طرح السؤال الأهمّ الذي تلكّأ السّاسة في الإجابة عنه.هل نحن مواطنون أم مجرّد سكّان لقطعة من الأرض؟ إنّه الاختلاف بين مفهوم الدولة ومفهوم الوطن.
الوطن يتجاوز التعريف السياسي والقانوني والتاريخي للدولة هو حالة انتماء وجداني عميق وهو كذلك حالة من الانتماء الذهني والنفسي إنّه لحظة انصهار وجداني واختزان عاطفي لمكوّنات متداخلة يلتقي فيها التاريخي والخرافي والديني وهو الإجابة العفويّة والعاطفيّة عن سؤال تونس وشعبها.
تونس الأرض والوطن ليست واحدة في نفوس أبنائها وهي عند البعض سنون القهر والفقر والحرمان والانقطاع عن حلم الدّراسة بسبب قلّة ذات اليد ..وهي الموت في المسالك البعيدة في رحلة أخيرة نحو مستشفيات العاصمة أو المدن السّاحليّة وهي أحيانا العجز على إكمال الدّراسة الجامعيّة بسبب الحاجة.
في تونس لا يتّفق التاريخ الرّسمي الذي كتبه "المنتصرون" مع ما تختزنه ذاكرة النّاس في الجنوب والمناطق الدّاخليّة.وكثيرون من طلبة المناطق الداخليّة والجنوب التونسي يقرؤون تاريخا يعلمون مواضع الزيف فيه. لقد ارتبط التاريخ التونسي المعاصر بخرافة الزعيم و ما أنتجه من سياسات تنمويّة وثقافيّة وتربويّة والزّعيم عند كثير من التونسيين صورة مؤلمة تختزنها ذاكرة السجناء والمهمّشين والفقراء والمحرومين.
جغرافيا تونس لا تعرّف طبيعيّا أو مناخيّا وإنّما هي جغرافيا اجتماعيّة وتنمويّة ومناخ سياسي واقتصادي واستثماري .
على السّاسة إعادة طرح السؤال الحقيقي لأنّ حسن طرح السّؤال من حسن الإجابة والسؤال في كثير من الجهات هو سؤال الوطن والمواطنة. وحين يشعر النّاس بوحدة الانتماء الوطني حتما ستختفي كثير من العبارات التي شكّلت الواقع السياسي والأمني في تونس اليوم ومنها عبارات الإرهاب والإرهابيين.
مسألة الهويّة التي ألغاها بورقيبة عبر إلغاء التعليم الزيتوني ومواجهة الفكر الإسلامي لابدّ من إعادة طرحها بعيدا عن الصرّاع الفكري والسياسي ولابدّ أن يدرك السّاسة أنّ المسألة التربويّة مسألة تتجاوز الخيارات السياسيّة للأحزاب وتتجاوز الصّراع الإيديولوجي حول مسألة " النّمط المجتمعي" لتقع في صميم البناء المتوازن لشخصيّة الفرد التونسي غير المستلب غير المتغرّب أو المتعصّب ولئن أدرك اليسار التونسي في بداية التسعينات أنّ المعركة الفكريّة مع العدوّ الإيديولوجي( الإسلاميون) ساحتها التعليم عبر "سياسة تجفيف المنابع" فقد أنتج جيلا لا ينتمي إلى المضمون التربوي المضمّن في البرامج والمناهج الدراسيّة بل إنّه يعاديها..
الإعلام كذلك ساحة أخرى من ساحات إنتاج العنف والجريمة وكذلك الفعل الثقافي في تونس كالمسرح والسينما وغيرها من الأعمال الفنيّة التي تميل إلى ترسيخ الشخصيّة المحبطة والمغتربة والشاذّة والمناقضة للعمق القيمي للشخصيّة التونسيّة .
كثيرون يجب " محاكمتهم" رمزيّا وعبر إعادة الصياغة لما أنتجوه سياسيّا وتربويّا قبل الشروع في معالجة الظاهرة الإرهابيّة المعقّدة من حيث التحليل والمركّبة من حيث العناصر البنائيّة المكوّنة لها.
يجب محاكمة السّاسة الذين رسموا الملامح الأولى لدولة الاستقلال على جريمة حقيقيّة في حق جهات كثيرة .ويجب محاكمة المشرفين على السياسة التعليميّة منذ الاستقلال وكلّ الذين رسّخوا الاستبداد والقمع باعتباره منهجا من مناهج مواجهة خصوم السياسة والفكر ويجب محاكمة المنظومة الإعلاميّة والقضائيّة والأمنيّة التي كانت وسائل طيّعة بيد الجلاّد والظلمة.
المعالجة الأمنيّة للظاهرة الإرهابيّة لا تسقط المطالبة باحترام حقوق الإنسان والحريّات ولا يمكن أن تشرّع لعودة الممارسات القديمة فقد أنتج هؤلاء "العائدون" إلى وزارة الداخليّة وبقيّة المؤسسات ما تعانيه الدولة التونسيّة اليوم من تفاوت اجتماعي وجهوي وفشل في المنظومة التربويّة والأمنيّة والعسكريّة .
الشباب الذي توجّه إلى مناطق التوتّر في العالم وتبنّى الفكر المتطرّف والعنيف أمضى سنوات تكوينه الفكري والوجداني في ظلّ نظام ابن علي. وكان الثمرة القاتلة لسنين عجاف من القمع والظلم والتعمية والتلهية والتجويع والترويع :فكيف يسأل الزرّاع عن فساد نباتهم ؟
محمد المولدي الدّاودي
تونس




الأحد، 29 نوفمبر 2015

دوّار الغلايقية سبيبة

معتمدية سبيبة

دولة الحزب ..وحزب "الزّعيم"

دولة الحزب ..وحزب "الزّعيم"



يبدو أنّ تذكير رئيس الدولة بتخليه عن رئاسة حزب حركة نداء تونس بسبب" ضرورة" دستوريّة لم يكن إلاّ اعتراضا في معنى الدلالة النحويّة والدلالة السياسيّة حيث انجرّ انجرارا إلى الحديث عن الأزمة الداخليّة للحزب الذي كان يترأسه وتبدو تلك المقدّمة التي انطلق منها في الحديث عن الهدنة الاجتماعيّة والسلم الاجتماعي مدخلا تمهيديّا و"ديباجة" تؤطّر جوهر الخطاب ..السيّد الرئيس في هذا الخطاب لم يكن رئيسا لكل التونسيين وإنّما أكّد في هذا الخروج الإعلامي أنّه لم يفكّر إطلاقا بمنطق المتغيّرات السياسيّة والدستوريّة بعد الثورة وإنّما كان تفكيره كما صورته وسلوكه "نسخة" مشوّهة لبورقيبة الذي كرّس في السياسة التونسيّة ذلك الجمع المخيف بين الدولة ومؤسساتها والحزب وإطاراته ..
لقد كان الباجي قايد السبسي هذه الليلة رئيسا لحزب أنهكته الصراعات السياسيّة ولم يكن رئيسا للتونسيين غير أنّ الباجي قايد السبسي كان يدرك أنّ تهاوي الحزب الذي رمّمه يساوي تهاوي كرسيّ الرئاسة في قصر قرطاج ..
الحديث عن حزب سياسي بدل الحديث عن هموم الشعب ومشكلاته يطرح السؤال الأهمّ في تونس : هل أدرك الرئيس أنّ مشكلة الحزب الذي رمّمه سرعان ما ترتدّ إلى مشكلة وطنيّة عبر صراع الأجنحة فيه؟ هل أجاب الرئيس هذه الليلة عن ظاهرة الإرهاب في تونس ومن يستثمر في الدّم التونسي؟أنا فهمت في غور الخطاب جوابا عن سؤال يطرحه الشعب عن رئيسه وفق العبارة المجازيّة بمعنى دلالة الجزء عن الكلّ .
الباجي هذه الليلة لا يمثّل كلّ التونسيين ولقب "الرئيس" بالنسبة له منذ هذه الليلة هو توسّع مجازي لا يعبّر عن الحقيقة.وذاكرة الباجي التي تؤرّخ للتاريخ التونسي المعاصر منذ البايات ثمّ نظام بورقيبة ونظام ابن علي وانتهاء بالثورة لم تسقط معتقداته السياسيّة التي يستمدّها من "زعيمه الملهم".
هذه الليلة أيّها السادة ابتلع الحزب الدولة واستعار الرئيس صورة الزّعيم وأستعاد التاريخ دورته القاتلة...دولة الحزب ..وحزب الزّعيم ..أمّا الشعب فخارج دائرة الدولة وتحت سلطة الزّعيم.
تحيا الدولة التونسيّة ولتسقط كلّ الأحزاب.
يحيا الشعب التونسي وليسقط كلّ "الزعماء"
محمد المولدي الداودي
سبيبة القصرين


الجمعة، 20 نوفمبر 2015

المعطّلون عن العمل في القصرين : عنوان للتهميش ورقم في الصراع السياسي





المعطّلون عن العمل في القصرين : عنوان للتهميش ورقم في الصراع السياسي
تتجاوز نسبة البطالة في ولاية القصرين 32 بالمائة وهي الأعلى وطنيّا وتشّكل البطالة في الولاية وجها من وجوه التهميش الذي عاشته الجهة منذ الستينات ولذلك كانت عنصرا من العناصر المحرّكة للحراك الثوري في الولاية وفي المناطق الداخليّة بصفة عامّة .ولئن حاولت حكومات ما بعد الثورة معالجة هذه المشكلة في إطار مقاربات تنمويّة محمولة على تصوّرات سياسيّة فإنّها لم تدرك الأبعاد المتشابكة في تعميق أزمة البطالة في الجهات الداخليّة.:
1* سياسات تعليميّة تقوم على إغراق الجامعة.
2* اعتماد المحسوبيّة والرشوة والجهويّة في التوظيف.
3* سياسة تسكين جهوي عبر التوظيف الاستثنائي.
4* توظيف استثنائي يتداخل فيه الحزب مع الدولة.
5* تضاؤل دور الدولة والمؤسسة العموميّة.
6* غياب للقطاع الخاص وإمكانيّاته التشغيليّة.
7* ضعف بنية الاستثمار :( بنية اجتماعيّة- بنية إداريّة قانونيّة – بنية تحتيّة ).
حلول ارتجاليّة وسطحيّة:
1* نظام الآليّات.
2* آليّة التعويض والنيابات ( التعليم).
3* آليّة التعاقد ( المؤسسات نصف الحكوميّة والمؤسسات الخاصّة).
مطالب وحقوق:
1* إرادة سياسيّة : إذ ترتبط مسائل التنمية في الجهات الداخليّة بالقرار السياسي ومنه تفعيل التمييز الإيجابي عبر مجموعة القوانين والمشاريع التنمويّة العموميّة ذات القدرة التشغيليّة العالية.
2* تشجيع الحاصلين على الشهادات العليا على القيام بمشاريع استثماريّة ( تغيير القوانين – تسهيلات إداريّة – تشجيعات ماليّة).
3*  معالجة ملفّ النيابات في التعليم الثانوي معالجة هيكليّة ( الإدماج وفق آليّة مناسبة تكون محلّ حوار وتوافق بين كلّ الأطراف أو الترفيع في نسبة الانتداب بما يحقّق إدماج الأساتذة النوّاب في خمس سنوات.)
4* تنفيل الجهات الداخليّة بمجموعة من النقاط تعتمد في المناظرات وفق مبدأ التمييز الإيجابي.
5* تثمين الموارد الطبيعيّة والإنتاجيّة التي تميّز ولاية القصرين باعتبارها عناصر بنائيّة في صياغة أفكار المشاريع وتدخّل الدولة في تنفيذها .

محمد المولدي الداودي



الأساتذة النوّاب: متى تنتهي المهزلة؟










الأساتذة النوّاب: متى تنتهي المهزلة؟
"ليس الاسترقاق إلاّ شكلا من أشكال مبادلة أمل الحياة بالحياة نفسها"
محمد المولدي الداودي
أقول هذه الكلمات من وحي ما رأيت اليوم ...وما أدركته من غور الجرح حين يصبح وهم الشغل في وطني مطلبا للمعطّلين من أصحاب الشهادات العليا. حرص زملائي المعطّلين من أصحاب الشهادات على خوض معركة النيابات في قطاع التعليم الثانوي وقطاع التعليم الابتدائي هو وجه من وجوه الرّضا بوهم الشغل عن الشغل نفسه.صنّاع السياسة في وطني يدركون تلك الحاجة في بعدها المادّي وفي بعدها النفسي ثمّ يحوّلونها إلى سياسة اقتصاديّة تعصر ما في جهدهم المعرفي مقابل ثمن بخس وأمل زائل بالشغل.في نفس المؤسسة التربويّة يخطّون نفس الحرف الذّي يخطّه زميل لهم في القاعة المجاورة وفي نهاية الشهر تكتب مراسيم الحكّام وأصحاب القرارات ومؤوّلي القوانين وشرّاحها جرايات المنتدبين وتبقي على أحلام الأساتذة النوّاب معلّقة في مكاتب المسؤولين في المندوبيّات الجهويّة للتربية.
يتربّص بهم الأجر شهورا ثمّ ينالونه نكدا مقسّطا وفي نهاية السنة الدراسيّة يؤوبون إلى أوهام الشغل في السنة القادمة ويعدّون عدّة المعركة الزّائفة.
هم نحن وليسوا منّا ..وهم عيب السياسة التربويّة ومساراتها تجسدّت وجعا إنسانيا نراه في خطوهم وفي سرّهم وفي جهرهم.
سأقول ما رأيت في وجع الكلام وما سمعت من زفير الحلم ترميه أقدار السياسة ومقاديرها في وادي سحيق ..
أعدادهم تجاوزت العشرة (10) آلاف وهم في رؤية مسؤولي وزارة التربية "جيش من الاحتياطيين " تستدعيهم الحاجة لتسديد الشغورات ثمّ يلقى بهم في شوارع المدن ومقاهيها بعد انتهاء المهمّة.يمضون عقودا ترتهن جهدهم  وحين تنتهي آجال العقد يرمون أحلامهم ويستعيدون أوجاع البطالة وفي تلك الرحلة القاسية بين تجربة التدريس والانتهاء منه تمرّ كل الآلام ..شعور بالخواء الوجودي لا يماثله إلاّ شعور الموت أو الفقد وإحساس مرّ بالارتهان.
لقد أعاد طرح ملفّ الأساتذة النوّاب مسألة الخيارات التربويّة وأشكال الانتداب في القطاع التربوي وطرحت من جديد مشكلة التعويض وفق صيغ استثنائيّة كانت قبل الثورة ممرّا للمحسوبيّة والتمييز السياسي ومثّلت مراجعة تلك الصيغ من التشغيل الهشّ مطلبا نقابيّا تحقّق قبيل الثورة بقليل.ولكنّ الحاجة إلى تسديد الشغور الظرفي في القطاع التربوي ظلّت قائمة وأكّدت استمراريّة هذا الإشكال.
بعيد الثورة تحوّل ملفّ تسوية وضعيّة الأساتذة النوّاب إلى مطلب أساسي وانخرطت النقابات في معالجته فكان الاقتراح بداية قائما على إدماج كلّ من بلغ ثمانية عشر شهرا منذ 2008 إلى حدود 2013 ثمّ اتفق الطرف النقابي والطرف الحكومي على إدماج نسبة 10 بالمائة من عدد المنتدبين في قطاع التعليم الثانوي أي ما يساوي تقريبا 240 أستاذا نائبا في كلّ الاختصاصات.
تسوية ملفّ الأساتذة النوّاب تسوية نهائيّة وكليّة أمر عسير في ظلّ ارتباك الخيارات وتردّدها في مسألة الانتداب ( الإصلاح التربوي والتخلّي عن مناظرة الكفاءة والبحث عن أشكال أخرى للانتداب) .لقد كان تسوية ملفّ الأساتذة النوّاب مطلبا نقابيّا أقرّه المؤتمر العادي للنقابة للتعليم الثانوي في أكتوبر 2014 وضمّنه في اللائحة المهنيّة ودعت النقابة العامّة إلى تشكيل لجنة مشتركة بين الطرف الاجتماعي والطرف الحكومي للنظر في مخارج جديّة وموضوعيّة تنصف الأساتذة النوّاب الذين انعكست معاناتهم على واقع القطاع التربوي كانعدام الاستقرار البيداغوجي والحرمان من التكوين والإرشاد.
ولقد حرص كثير من الأساتذة النوّاب في جهة القصرين على عقد ورشات عمل للبحث في الحلول وتقديم المقترحات التي يرونها منصفة لهم ومنها التالي:
-       تمكين الأساتذة النوّاب المباشرين للتدريس من التغطية الاجتماعيّة .
-       تمكين الأساتذة النوّاب المباشرين للتدريس من التكوين البيداغوجي.( التفقّد وحصص التكوين البيداغوجي).
-       الترفيع في الأجر الذي يتقاضاه الأستاذ النائب المباشر للتدريس بما يناسب أجر الأستاذ المنتدب.
-       اعتماد آليّة الخلاص الشهري .
-       التأكيد على ضرورة الإدماج وفق مقاييس موضوعية ومنصفة للأستاذ النائب ومنها.
·       إدماج كل أستاذ بلغت مدّة نيابته في التدريس 25 شهرا من 2008 وإلى آخر نيابة أنجزها الأستاذ النائب.
·       إدماج الأساتذة النوّاب الذين بلغت مدّة نيابتهم من 18 شهرا إلى 25 شهرا ابتداء من 2008 وانتهاء بآخر نيابة أنجزها الأستاذ النائب على مراحل ( 05 سنوات )
ملاحظة: قد يبلغ عدد الأساتذة النوّاب الذين سيتمّ إدماجهم وفق هذه الصيغة 850 أستاذ في كلّ سنة مقترحة للإدماج ويكون مجموع الأساتذة النوّاب المدمجين في مدّة 05 سنوات 4250 أستاذا أي ما يساوي تقريبا نسبة 28% من مجموع الانتداب في قطاع التعليم الثانوي.
·       إدماج كلّ أستاذ نائب أمضى 04 عقود لنيابة مستمرّة في مركز شاغر واعتماد التقرير البيداغوجي في قرار الإدماج على أن تعتمد قاعدة البيانات الخاصّة بالأساتذة النوّاب المعتمدة جهويّا.




الخميس، 19 نوفمبر 2015

من وحي أحداث فرنسا 2015




من وحي أحداث فرنسا 2015
من الجزائر بدأت القصّة ..أفلا تفقهون.


لقد كانت المسألة السياسيّة وأشكال إدارة الحكم ورعاية مصالح النّاس بابا من أبواب الفكر الإصلاحي في بدايات القرن التاسع عشر. كما كان سؤال "النهضة "في وجهها السياسيّ أحد محاور الجدال الفكري بين المدرسة الأصوليّة والمدرسة التحديثيّة في مصر وتونس وغيرها من الأقطار. وبعيد سقوط الخلافة العثمانيّة سنة 1924 أعادت جماعة "الإخوان المسلمون" سؤال المشاركة السياسيّة إلى واجهة الفكر الإسلامي الإصلاحي .وأكّدت في أدبيّاتها ورؤيتها الفكريّة ذلك التلازم بين الإصلاح السياسي والواقع الاجتماعي والاقتصادي. وأشارت في كتاباتها إلى ضرورة الفعل السياسي بعيدا عن الجمود الفقهي والالتزام الدعوي.
واجهت الجماعة صراعا مريرا مع الأنظمة العسكريّة في الستينات. ولكنّها أكّدت في شدّة المحنة على أنّ الفعل السياسي هو السبيل الوحيد للتغيير .ومن فكر الجماعة ومنهجها التنظيمي نشأت حركات وجماعات إسلاميّة في كل البلدان العربيّة. ومنها حركة الاتجاه الإسلامي في تونس وجبهة الإنقاذ الجزائريّة وحركة حماس الفلسطينيّة وجبهة العمل الإسلامي في الأردن وحزب الإصلاح اليمني .كما نشأت حركات في كلّ البلدان الإسلاميّة تستمدّ فكرها من فكر الجماعة الأمّ في مصر.
في بداية الثمانينات بدأت ملامح تهاوي الأنظمة جليّة ظاهرة في تونس والجزائر ومصر. وشهدت كثير من البلدان العربيّة حراكا شعبيّا امتزجت فيه المطالب الاجتماعيّة بالمواقف السياسيّة. وبدأت الحركة الإسلاميّة في الظهور على السطح السياسي. وفي نهاية الثمانينات كان العمل السياسي الإسلامي هو الأقدر على الحشد والأكثر تأثيرا في الأوساط الشعبيّة والأكبر شعبيّة لدى النّاس وخاصّة الطبقة المتوسّطة بعيدا عن النخب العلمانيّة أو العسكريّة .
في خمسة (05) أكتوبر 1988 شهدت الجزائر انتفاضة شعبيّة عارمة استفادت من ثورات أوروبا الشرقيّة. وانتهت بنتائج سياسيّة ألزمت الحكومة الجزائريّة آنذاك بإقرار التعدديّة السياسيّة والانفتاح السياسي. وبدأت ملامح المشهد السياسي الجزائري في التشكّل من جديد بعيدا عن سطوة حزب جبهة التحرير الوطني. واستفادت الجبهة  الإسلاميّة للإنقاذ من هذا الانفتاح السياسي.
في سنة 1991 حققت الجبهة الإسلاميّة للإنقاذ فوزا محقّقا في الانتخابات البرلمانيّة ممّا دفع الجيش إلى التدخّل وتعطيل الانتخابات وإلغاء النتائج.
لم تكن فرنسا بعيدة عن الأحداث في الجزائر المستعمرة القديمة والحديقة الخلفيّة وبوّابة فرنسا إلى إفريقيا. بل إنّ قرار تعطيل الانتخابات يخفي في أسراره موقفا فرنسيّا يرفض رفضا مطلقا صعود الإسلاميين. وغير بعيد عن الجزائر كانت فرنسا ترعى جنرالا صاعدا في تونس بعد انقلابه على "بورقيبة" وهو ما أوقف المدّ السياسيّ الإسلاميّ برعاية فرنسيّة وغربيّة.
لقد كان تعطيل الانتخابات في الجزائر وإلغاء نتائجها قرارا فرنسيّا نفّذه جنرالات الجيش .كما كان هذا القرار إيذانا ببداية العشريّة السوداء الدامية في الجزائر ..عشريّة من القتل والدم اختلطت فيها أوراق السياسة والعمل المخابراتي ومصالح لوبيّات المال والنفوذ .لقد كانت حربا "قذرة" أعادت العسكر إلى واجهة الفعل السياسي وأخرجتهم من الظلّ إلى العلن. ولم تكن المسألة الديمقراطيّة ذات شأن عند الفرنسيين فقط معارك الاقتصاد والنفط والغاز. لقد كان الإسلاميون في الرؤية الغربيّة والفرنسيّة خاصّة عنوانا للحظر السياسي وإن تبنّوا المنهج الديمقراطي.الإسلاميّون في الرؤية السياسيّة الغربيّة لا يجب لهم الحكم لأنّهم يحملون منهجا ورؤية إصلاحيّة لا تتفق في نتائجها مع رؤية الغرب للعالم العربي الفضاء الجغرافي للمستعمرات القديمة.
في الجزائر كانت المعركة بين النظام والجماعات الإسلاميّة المقاتلة طاحنة وفي تونس طحن نظام ابن علي الإسلاميين عبر التهجير والسجن والتعذيب ..كان كلّ هذا على مرأى ومسمع من أوروبا " واحة الديمقراطيّة والحريّات" .
يتكرّر المشهد الجزائري في فلسطين بعد فوز حركة المقاومة الإسلاميّة حماس فتحاصر من كلّ البلدان ويزجّ بنوّابها في السّجون .وبعد الثورات العربيّة وصعود التيّار الإسلامي عبر آليّات الديمقراطيّة حوصرت التجربة التونسيّة مع حكم الترويكا ومن فرنسا ذاتها التي دعّمت الديكتاتور حتّى آخر أيّامه .وفي مصر دعّم الغرب انقلابا عسكريّا داميا .وفي سوريا رعى الغرب صراعا دمويّا وأبقى على طاغية يقتل شعبه خوف وصول الإسلاميين.
لقد كانت الرؤية السياسيّة الغربيّة تجاه البلدان العربيّة حلقة استدلال في الخطاب الدعائي للجماعات التكفيريّة. وهو خطاب لا يحتاج إلى كثير جهد. وسيفقد السؤال وجاهته إن هو أعاد تلك الإجابات السّاذجة عن الحركات الجهاديّة والإرهابيّة.
على الغرب إن يعيد قراءة الدّرس عبر أدوات تحليليّة مختلفة عن مصادرات الفكر السياسي الغربي ومقدّماته.وحين تزدحم ذاكرة النّاس بجرائم الكيان الصهيوني المدعوم غربيّا, وحين تتوالى مشاهد قتل الأبرياء في سوريا ومصر والعراق في ظلّ تآمر غربي مكشوف ,وحين يدعم الغرب كلّ الطغاة والغزاة فاعلم أنّ تلك الذاكرة المسكونة بمشاهد الموت في كلّ مكان عربيّ وإسلامي ستتحوّل إلى عقل إجرامي تدفعه رغبة الانتقام.

محمد المولدي الداودي
تونس






مبروك السلطاني: الكتابة على جسد الشهيد




من وحي الفاجعة: أيّها الوطن..تمهّل قليلا وحيّ من كان يرعانا.
مبروك السلطاني: الكتابة على جسد الشهيد

في بلدة قصيّة مقصيّة كانت ولادته ..وفي أرض صلبة صلدة كان نباته ..زهرة في مرتفع من جبل يغزوه علوّه في كلّ فجر ..يتيما كان.. عشرا من السنين خلت رحل والده وأبقاه أنسا لأرملة أتعبت الأعوام بصرها .
ستّ عشرة سنة هي ما كتب سجلّه وكتابه ..سنون متعبة قاسية زادها اليتم غربة أمضاها مبروك السلطاني في قرية السلاطنيّة من معتمديّة جلمة ولاية سيدي بوزيد ..يكتبه الفقر في دفاتر الغائبين في المدارس والمعاهد فقد انقطع عن التعليم مبكّرا..غادر المدرسة ولمّا يبلغ سنّ الحلم وظلّ هناك في علوّ من الجبل يطارد أفقا هاربا في مسارات البياض .يتبع في مسارب الجبل أغناما قليلة ويتبعه فقره فيشقيه.وفي المساء يعود إلى بيت قليل الغرف ولكنّه كلّ متّسع تلك الأرملة .
تغيّر الجبل وتغيّر ساكنوه وفي هفوة القدر وتعجّله التقى مبروك السلطاني قوما أغرابا لا تسكنهم أحلام الصبح ولا تغريهم أفاق الحياة..في علوّ من الجبل يلتقي أجسادا خاوية تشبّع كيانها من قسوة الليل وماتت أرواحها فهي كالصخر أو أشدّ قسوة..موعد يكتب أجل الرّاحلين .
افتكّوا رزقه كان بعضا من جهد وشقاء أمّ أرملة تحرس بها أبناء يتّما ثمّ نحروا خمسا من الماعز هي كلّ ما جمع الجهد في سنين الجوع والخواء.
لم يقدر على كتم صراخه ولعلّها وصيّة الأمّ ..رزقك يا ولدي..وكان عهد الأمانة أن لا يفرّط في ما جمعت أمّه في خلسة من زمن القسوة ..
سألوه الصمت فقاوم ..ثمّ جمعوا أمرهم وقرروا قتله..شدوّا وثاقه ..جسدا غضّا كان وفي أنفاسه نزيف الحياة لا يزال يطلب حلما أجّلته قسوة الحياة وظلم الفقر .
رفيق الدرب والمعاناة وصديق الجوع والفقر كان هناك ..في ذلك المكان الذي تحرسه أشباح الموت وشياطينه.وفي لحظة استفاقة البربريّة التي تسكن جسدا آدميّا تلبّسته أرواح الشرّ جميعا..وفي لحظة تهتزّ فيها أفاق الكون الصامت وترتعد فيها سواكن الصخر ويعلو فيها أنين المكان والشجر. تهتزّ يد آثمة عابثة تنحر فتى صغيرا ..تعوي روح الإنسان هناك ويعيد الكون سجلّ البداية ..هنا قتل قابيل أخاه.
اهتزّ بدن غضّ وسال دم بريء يخطّ في أرض صلدة قصّة مبروك السلطاني.
حروف الدمّ المسفوك في أعلى الجبل لا يقرؤها إلاّ فقراء القرى في المناطق الداخليّة الذين أتعبهم السفر في ثنايا التلال والهضاب ..صعبة المسلك..صعبة المسير.
ألزموا رفيق مبروك السلطاني النظر إلى صديقه ينحر..ونادوا "يا صخر" وما أجاب صخر الوادي ولا أحجاره ولكنّها يد آثمة قاتلة.رسالة القتلة تروي مسيرتهم وتحكي سيرتهم ..بعضهم أولياء بعض ..قتلة نسلا من بعد نسل يرثون الجريمة كما تورث الأرض.
أفرغوا ما في مزادته من زاد كان قليلا من طعام ثمّ وضعوا رأسا ما تزال تحمل بعضا من حلم وأودعوها رفيقا له فسار بها وسارت معه أوجاعه.وفي ذلك الجبل تركوا جسدا تحرسه بعض من كلابه.مفارقة الكون تختزلها لحظة مجنونة .
نزل علوّ الجبل موجوعا مصدوما وحمل الرأس إلى أرملة أوجعتها الحياة..تحسست الرّأس ..الملامح نفسها وكلّ تفاصيل الوجه..وجع بطول ستّ عشرة سنة من العمر يعبر جسدا متعبا فتعوي الرّوح "يا ولدي".
في البيت رأس مبروك السلطاني تروي لها الأمّ أوجاعها سنة سنة منذ كانت أوجاع المخاض وحتّى أوجاع الليلة.وفي الجبل جسد ألقاه القتلة تحرسه كلاب ألفت الوفاء فصار لها خلقا ..ليلة كاملة ويزيد تمنع عنها أذى الوحوش .
توجّه الأهل إلى رجال الأمن وطلبوا جسد الشهيد إكراما له وإكراما لأرملة بذلت ابنها قربانا لوطن لم تعرفه إلاّ في بطاقات الهويّة ..أوامر السّاسة وحساباتهم منعت الأمن والجيش من البحث عن جسد الشّهيد.فكان عزم الأهالي على إكرام القتيل..صعدوا علوّ الجبل وتتبّعوا أثار السير وبعيدا هناك تعالى نباح تألفه أسماعهم في ليالي القرية ..تتبّعوا الصوت حتى عثروا على جسد مبروك .
حكايات المواطنين قالت ما لم تقله أبواق الدّعاية الإعلاميّة..لم يصعد أحد إلى المكان ولم يبحثوا عن جسد الشهيد..حدّثت أعينهم وأجسادهم وملامح الشقاء في وجوهم كلّ الحكاية..قالوا في صمت ما لم تقله سنون الشقاء منذ دولة الاستقلال.سألوا كلّ السؤال.لماذا يقتل أبناؤنا بعيدا عن أضواء السياسة والإعلام؟هل نحن مجرّد سكّان لقطعة من الأرض أم نحن مواطنون؟
في المساء تزاحم الكلّ وتهافت الجميع..صورة تتبعها صورة... تأنّق في العبارة ووعود تكّذب صاحبها ..وعبرة عابرة حين التقاط الصورة ..
عاد الكلّ ...وحشة المكان تكتب السّطر الأخير في محنة أمّ ثكلى تبيت ليلتها في سفح جبل في أرض معلّقة بين الحلم والقسوة .
هنا كان مبروك..وهناك سيبقى.. وأشارت إلى بعض من جبل وبعض من أفق.
أيّها الوطن...تمهّل قليلا وحيّ من كان يرعانا.

محمد المولدي الداودي
سبيبة.


الجمعة، 5 يونيو 2015

النهضة وفقه المناورة السياسيّة

النهضة وفقه المناورة السياسيّة
محمد المولدي الداودي



النهضة: إعادة اكتشاف الذات .
لم تكن عودة الشيخ راشد الغنوشي إلى تونس يوم 30 جانفي 2011 مجرّد حدث عابر بل لقد كانت عودته علامة فارقة في الثورة التونسيّة وإحدى علامات تحوّلها وعنصرا من عناصر تكوّنها التي يمتزج فيها الواقعي بالحالم وهي مساحة التداخل العجيبة بين دائرة المحنة ودائرة التفاؤل.عودة الشيخ راشد الغنوشي عودة لقطعة من التاريخ التونسي المعاصر التي أسقطها النظام بكلّ مكوّناته الأساسيّة أو الخفيّة وحاول طمسها عبر قوّة الدولة ومؤسساتها ..الفكرة أحيانا أقوى من الدولة وما يطمسه الجلاّد تحفظه الأرض والذّاكرة..عاد الشيخ راشد الغنوشي المحنة والفكرة ..ليختبر الشيخ نفسه زمن الثورة.
في سنين المحنة والغربة تغيّر الإنسان والأوطان وتلوّنت أفكار الحركة بألوان تربة المهجر وعصفت رياح كثيرة في ثوابت الفكر والقناعة.وفي تونس رجال آخرون غيّرتهم سنون القمع ..فماذا لو أنكر الأصل فرعه؟ ..وماذا لو أنكر الشبيه شبهه ؟.
أصبحت الحركة مكوّنا من مكوّنات الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي وجزءا من عناصرها الإديولوجيّة وخصما من خصوم السياسة داخلها.وداخل الهيئة تراءت بعض ملامح هيئة 18 أكتوبر وانكشفت بعض أضاليلها...فما يصنعه الاستبداد تذهبه أوهام الحريّة. وداخل الهيئة سقطت النهضة ككل الأحزاب المكوّنة لها في فخّ الايدولوجيا ولم تستوعب كبقيّة مكوّناتها مخاطر الدولة العميقة وقدرتها على التشكيل الذاتي لصورة مموّهة تتجاوز الصورة الأصل ولكنّها تحتفظ بسماتها الأساسيّة وعوامل بقائها ..في معارك الهيئة تجليّات لرؤى الحكم والسياسة وتناظرات بين المواقف في مسائل الاقتصاد والنمط الاجتماعي والثقافي ومحاولة للتحشيد الانتخابي ضمن سباق محموم نحو السلطة ولم تسأل كلّ الأحزاب وكل المنظّمات والهيئات المكوّنة للهيئة عن المكوّنات العميقة للسلطة والحكم ومدى استجابتها للواقع الجديد وقابليّتها لاستيعاب الفكر الثوري والرؤية الثوريّة.
في الوقت الذي استعادت فيه الأحزاب المعارك الفكريّة القديمة كانت الدولة العميقة تجدّد طرائق خطابها وتتطّهر من خطاياها ومفاسدها لتعيد بناء الوعي الشعبي عبر القفز   إلى الوراء وتجاوز مرحلة تمتدّ في التاريخ التونسي المعاصر على مدى ثلاث وعشرين عاما فكان الباجي القايد السبسي الصورة المستوحاة من الصورة النموذج للزعيم ( الحبيب بورقيبة ).
إنّ إجهاض أيّ محاولة لتفكيك العناصر المكوّنة للعمق الفاعل في الدولة العميقة كالجهاز الأمني أو القضائي أو الإداري وبناء هياكل مماثلة للهياكل التنظيميّة التي ساهمت في نجاح الثورة كالنقابات أو المنظّمات أو حتى الأحزاب  تعبّر عن  قدرة الدولة العميقة على تحليل العناصر البنائيّة للحراك الثوري من جهة كما تعبّر عن وعي الدولة العميقة بعجز الأحزاب المشكّلة حديثا على إنتاج بدائل للحكم والتسيير من جهة ثانية.تعدّدت النقابات الأمنيّة وتشكّلت نقابة للقضاة وتمّ دفع فرحات الراجحي للاستقالة واستعان الباجي قايد السبسي بالمخزون الحزبي والإداري والأمني للمنظومة القديمة ووجّه كلّ الأحزاب نحو السباق الانتخابي وأمات كلّ العلامات الرمزيّة المكوّنة للذاكرة الثوريّة انطلاقا من مفارقة (الفوضى وهيبة الدولة ) ولذلك دفعت كلّ الأحزاب للمشاركة في قتل النفس الثوري الأخير في القصبة 3.
لم يمكّن تسارع الأحداث وتطوّر الواقع السياسي وتناقضاته لم يمكّن كلّ هذا حزب حركة النهضة من تلمّس الأرضيّة الاجتماعيّة والاقتصاديّة والثقافيّة والسياسيّة للمجتمع التونسي ولم يمكّنه من اكتشاف التحوّلات التي أنتجت تلك اللحظة الثوريّة كما أنّ تعدّد الروافد واختلاف التجارب بين المؤسسين للحزب والمنتمين إليه لم ينل حظّا من الاهتمام .
في حزب حركة النهضة مدارس سياسيّة ومواقف متباينة ورؤى مختلفة قد تبلغ حدّ التناقض أحيانا فالقادة الذين تشرّبوا التجربة الديمقراطيّة في سنين المنفى في المهجر أدركوا من السياسة ما لم يدركه قادة الدّاخل الذين خبروا قمع النظام وظلمه وكانوا الأكثر تعبيرا عن معاناة الناس في ظلّ الاستبداد وقادة الدّاخل هم الذين أداروا بعضا من التوافقات السياسيّة زمن الاستبداد وشاركوا في الحراك الحقوقي والنقابي أو الطلاّبي واكتسبوا في سنين المحنة قدرة على المناورة وفرض مساحات للحركة السياسيّة بعيدا عن المراقبة أو المتابعة واستفادوا من التجربة اليساريّة أو القوميّة عبر خلق فضاء مخفيّ للعمل السياسي عبر تلوينات نقابيّة أو مداخل حقوقيّة ولقد أعاد الإسلاميّون عقد الصلة بينهم وبين النّاس وصاروا جزءا من هموم النّاس ومعاناتهم كما عبّروا عن بدايات تشكّل لفعل الرّفض المضمّن في إطاره الشعبي لا السياسي ( معركة الحجاب في تونس ).
ألغى التسارع في وتيرة الأحداث السياسيّة بعد الثورة كشف التباينات وأخفى مناطق الاختلاف بين مكوّنات الحركة وعناصرها التاريخيّة ولم يتح للملاحظين إدراك التحوّلات الفكريّة أو الحركيّة التي أصابت منهج الحركة ودفعتها إلى المراجعة وفق قراءة نقديّة للمسار ولذلك اختلف خطاب الحركة الجماهيري واختلفت صور حضورها لدى النّاس.
لم تكتسب النهضة صورة واحدة في وجدان أنصارها والمنتمين إليها حديثا من الشباب بل كانت عند البعض تفاعلا وجدانيّا دفعته أدبيّات السجون والمنافي وتضامنا إنسانيّا حكمته روح الاعتراف بمدى الظلم الذّي طال هؤلاء النّاس وكانت كذلك انشدادا فكريّا لفكرة الإسلام والشريعة والدّين وأحيت حركة النهضة وهي الامتداد الفكري للاتجاه الإسلامي , أحيت لدى شريحة "متديّنة " من الشعب التونسي أحلام العودة إلى اللحظات المضيئة من التاريخ الإسلامي وهي لدى المقهورين والمظلومين اجتماعيّا صورة " لتقوى السياسية" التي تقوم بديلا لصورة الفساد والارتشاء والمحسوبيّة والتفاوت الجهوي والاجتماعي.
لم تكن النهضة مجرّد حزب سياسي بل كانت كلّ هذا الكمّ المتداخل من المعاني والأحلام...كانت النهضة أفقا متفائلا يسعى إلى تجاوز واقع مأزوم ومألوم..ولم يكن أحد ليدرك الحدود الفاصلة بين تلك العناصر المتآلفة ولم يكن أحد ليدرك الحدود الفاصلة بين أحلام الفعل وإمكاناته بل إنّ كثيرا من قادة النهضة وزعمائها أجّلوا البحث في المكوّنات البنائيّة للحركة وتعمّدوا المزج بين عناصر اللوحة المتباينة والمتناقضة التي كوّنت جاذبيّة النهضة ..إنّ النزوع إلى الغموض وتعمية المشهد عنصر من عناصر الإدهاش وخلق صورة فاتنة وجاذبة.




النهضة وفقه المناورة السياسيّة

النهضة وفقه المناورة السياسيّة

محمد المولدي الداودي



الثورة: فشل النخبة السياسيّة في الاستجابة لانتظارات الحراك الشعبي.
كانت حادثة حرق محمد البوعزيزي لنفسه يوم 17 ديسمبر 2010 في ساحة من ساحات ولاية سيدي بوزيد القطرة التي أفاضت الكأس والشرارة الأولى التي أوقدت نيران الثورة التي بدأت عفويّة مشدودة لهول المشهد ومحكومة بمشاعر إنسانيّة عمّقتها مظاهر الحرمان التي كان عليها سكّان المناطق الداخليّة ثمّ سرعان ما اتّخذت بعدا مطلبيّا وحقوقيّا أطّرته الاتحادات المحليّة والجهويّة كما شارك المحامون والهيئات الحقوقيّة في تغذية هذا الحراك الشعبي الذي اتّخذ شكل المواجهات في الأحياء ليلا والمظاهرات المؤطّرة نقابيّا نهارا وضمن تنامي الحركة المطلبيّة تطوّر الشعار وتحوّل من شعار جهوي إلى شعار مطلبي أجملته عبارة " التشغيل استحقاق يا عصابة السرّاق" ثمّ شعار" شغل ..حريّة ..كرامة وطنيّة".
استخفّ النظام بالحراك الثوري وحاول استعارة نفس العبارات التي واجه بها التحرّكات الاجتماعيّة في الحوض المنجمي أو في الجنوب وأطلقت الدوائر الإعلاميّة المحيطة بالسلطة عبارات من قبيل " المخرّبين" وحاولت تهميش الأبعاد الاجتماعيّة كارتفاع معدّلات البطالة في صفوف أصحاب الشهادات العليا وانتهجت نفس المنهج القديم في معالجة القضايا الاجتماعيّة عبر تخوين كلّ صوت معارض والتركيز على المنجزات الاقتصادية للنظام ( المعجزة الاقتصاديّة ) .
لم يعد إعلام النظام قادرا على صنع رأي عام معاد للحراك الثوري وغلب الارتباك والارتجاليّة على أدائه الإعلامي في ظلّ انفتاح إعلامي جسّدته قناة الجزيرة وقناة الحوار اللندنيّة خاصّة وكان "الفايسبوك" الشكل الأرقى للإعلام البديل الذّي أذكى روح الثورة وأكسبها بعدا شعبيّا خالصا بعيدا عن الخطاب الإعلامي الرسمي وحوّل كلّ مدن تونس وقراها إلى فضاء ثوري حيّ وقادر على ابتكار أشكال ثوريّة غير تقليديّة وغير منظّمة وبالتالي يصعب محاصرتها.
لقد حاول النظام تحييد المكوّنات المكشوفة للعمل المعارض للسلطة كالأحزاب " المعارضة " آنذاك أو الرابطة التونسيّة لحقوق الإنسان أو الاتحاد العام التونسي للشغل مجسّدا في المركزيّة النقابيّة التي أحدث توازنا دقيقا بين تزكية النظام وتحقيق كمّ مقبول من المطالب الاجتماعيّة ولم تكن المركزيّة النقابيّة قادرة على دفع الهياكل النقابيّة الجهويّة والمحليّة إلى الحياد بل لقد ساهمت المكوّنات الأساسيّة والمحليّة في تأطير التحرّكات الاحتجاجيّة داخل الجهات وساهمت قطاعات كثيرة ومنها قطاع التربية بشقيه الأساسي والثانوي في تغذية هذا الحراك بأشكال نقابيّة فاعلة ومنظّمة ( الوقفات الاحتجاجيّة وبيانات المساندة).
اتّسعت جغرافيا الثورة وامتّدت شمالا وجنوبا واتّجه النظام وجهة المعالجة الأمنيّة العنيفة والقمعيّة وسقط أوّل الشهداء في مدينة منزل بوزيان من لاية سيدي بوزيد يوم 24/12/2010 وهو الشهيد محمد العماري وفي نفس اليوم كانت مسيرة شعبيّة يتقدّمها المحامون تجوب وسط ولاية القصرين لترفع أوّل شعار ذي مضمون سياسيّ يدفع بالمسألة السياسيّة في قلب الحراك الثوري وهو شعار " حرّيّات...حريّات لا رئاسة مدى الحياة".
في مدينة تالة والقصرين تجاوز الثوّار حواجز الخوف وأصبحت المواجهات الخبز اليومي لشباب الجهات الداخليّة وتجاوز النظام مخاوف المواجهة القاتلة وأدرك الساسة من الموالاة والمعارضة الحجم الحقيقي لما يحدث في تونس وحاول كلّ منهما مغالبة الوقت في تشكيل رؤية سياسيّة تستثمر ما يحدث وتدفعه نحو مكاسب سياسيّة .ولذلك تحرّكت بعض الأحزاب المعارضة كالحزب الديمقراطي التقدّمي وحزب التجديد في حين حاول الحزب الحاكم البحث عن مخارج سياسيّة ضمن رؤية مؤطّرة من حيث الحركة والهدف.
في مسارات الثورة ويوميّاتها كان الإسلاميّون جزءا من الفاعلين الثوريين ولم تكن النهضة مكوّنا بارزا تنظيميّا. وكان الشباب الغاضب الذي وحدّته هموم الوطن وخطايا النظام والذّي لم توجّهه أحزاب سياسيّة أو منظّمات وطنيّة هو الفاعل الحقيقي ...كانت الثورة التونسيّة نسيج وحدها ..
أشار خطاب ابن على ليلة 13 جانفي إلى معالم النهاية لنظام سياسيّ استبداديّ غذّته عصابات المال والفساد وأمدّه خطاب إعلاميّ انتهازيّ وحضور حزبيّ باهت للمعارضة أمدّه باكسجين البقاء ..حاول الإعلاميّون المرتبطون بالنظام والسياسيّون المتعّلقون به وأشباه النخب المثقّفة وأد الحراك الثوري واستثمار الدم من أجل تحقيق بعض فتات السياسة والحقوق وكان الحديث بعيد الخطاب متعلّقا بإصلاحات سياسيّة جزئيّة وفتح بعض من الهوامش المحرّمة في الإعلام وحريّة التعبير والتفكير لقد فكّر كلّ "رموز" المعارضة آنذاك داخل دائرة النظام القائم لا خارجها وأكّدوا تلك المسافة الفاصلة بين طموحات الجماهير الثائرة ورؤى السياسيين الضيّقة.في تلك الليلة الفارقة في عمر الثورة كان تدخّل الشيخ راشد الغنوشي واضح المعالم والملامح فاصلا مع النظام ممّا دفع كثيرا من المنتمين للحركة إلى الالتحام العلني بشباب الثورة في الساحات والمظاهرات يوم 14 جانفي 2011.
لم تكن النهضة الحزب السياسي المحظور إلا مكوّنا غير مرئيّ من مكوّنات الثورة وكانت جزءا من حالة ثوريّة تونسيّة تجاوزت الأحزاب والأطر المنظّمة للمنظّمات والهيئات وكانت مجموعة من المواقف التي تتعالى من رموزها في الخارج عبر المنابر الإعلاميّة العالميّة.
هروب ابن علي ومسابقة ملء الفراغ:
لم يكن تهاوي نظام ابن علي بتلك السرعة متوقّعا وهو ما أكّد وجود عناصر خلل في بنية النظام في حدّ ذاته ساعدت التحرّك الثوري على إسقاط مكوّن أساسيّ من مكوّناته ( الرّئيس)دون أن يسقط بقيّة المكوّنات ولقد كشف هذا التهاوي السريع والمباغت المساحات الفارغة في الحراك الثوري وعمّق الارتباك والارتجاليّة ولئن ساعد غياب البناء التنظيمي للثوّار على الاستمراريّة والعفويّة التي ميّزت الثورة التونسيّة فإنّه طرح بعد هروب ابن علي أشدّ المشاكل التي طفت على سطح الواقع السياسي في تونس ومنها مسألة العلاقة بين الدولة والثورة ولم تتمكّن المكوّنات السياسيّة لمعارضة من فهم حقيقة التحوّل السياسي في تونس واختلفت المقاربات وعبّرت عن تباين بلغ حدّ التناقض في فهم التحوّلات وإدراك المطالب الثوريّة.كانت الأحزاب السياسيّة المعارضة "رسميّا" مثل حزب التجديد والحزب الديمقراطي التقدّمي أكثر ميلا للتحرّك في فضاء " الدولة القديمة " وهي المنتوج الإداري والإعلامي والأمني والقضائي لحزب  التجمّع ونظام ابن علي وما أرساه من نظم للسياسة والحكم وكانت رؤيتهم "إصلاحيّة" لا رؤية ثوريّة وبدا الصّراع بين الشباب الثوري الحامل لمشروع الثورة ثمّ الدولة وبقيّة العناصر المكوّنة للمشهد السياسي كالأحزاب والمنظّمات والهيئات جليّا في القصبة 1 والقصبة 2 غير أنّ الشباب الثوري لا يملك التجربة السياسيّة ولا الإمكانيّات التنظيميّة التي تمكّنه من فرض رؤاه في الواقع السياسي التونسي الجديد ولذلك سارت حركة الثورة في مسارات المهادنة وأجّلت حسم العلاقة الإشكاليّة بين دولة المنظومة القديمة التي ظلّت قائمة في شكلها الإداري ورموزها السياسيّة ودولة "الثورة" المرتبكة والمتناقضة.
كانت الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي  التي تأسست في 15 مارس 2011 أثناء الثورة، برئاسة  عياض بن عاشور وجها من وجوه المعادلة الصعبة التي أنتجها الواقع السياسي التونسي بعيد الثورة وهي معادلة الثورة والدولة  .والعجيب في تلك المرحلة هو مستوى التناسب بين مكوّنات السلطة التنفيذيّة متمثّلة في الرّئيس فؤاد المبزّع ورئيسي الوزراء محمد الغنّوشي في مرحلتين والباجي قائد السبسي في مرحلة ثالثة فهؤلاء علامات رمزيّة لبقاء الدولة القديمة واستمراريّة نظامها وقدرتها على حماية عناصرها الإداريّة والأمنيّة والقضائيّة أمّا الهيئة التي عبّرت ولو جزئيّا عن ملامح المكوّن الثوري باعتباره قوّة تشريع وتسيير فإنّها جمعت نشازا من الفرقاء الذين استوعبهم فراغ الواقع السياسي ولم تجمعهم الرؤية الثوريّة ولا الموقف السياسي الموحّد .
داخل الهيئة استفاد اليسار والقوميّون من القدرة التنظيميّة التي رسخّها العمل النقابي والحقوقي زمن نظام ابن علي في حين افتقدها الآخرون. وداخل الهيئة كذلك استعاد فرقاء السياسة والفكر معاركهم القديمة التي أجّلها النظام عشرين عاما واطمأنّ رموز الدولة القديمة لغفلة الثائرين وغذّوا معاركهم عبر خلق انحرافات وهوامش بعيدا عن أسئلة الثورة واستحقاقاتها ...للدولة القديمة قدرة على التحريف والتزييف وصناعة المعارك الوهميّة التي انجرّ إليها هواة السياسية ومغامروها وعلت شعارات غير التي ألفها الثوّار في الشوارع والساحات ..إنّ أشدّ أشكال التحريف والتزييف التي طالت الحراك الثوري هو نقل المعارك الإيديولوجية المعزولة عن مقامها والغريبة عن سياقها إلى الواقع التونسي الجديد الذي أفقده النظام القمعي المهارة النقديّة والمناعة السياسيّة ..لقد كان اختراق الجسم الثوري بأدوات ثوريّة مزيّفة ومنها معارك الحداثة والهويّة ومعارك الدّين والدولة ...هي معارك واهمة ومضلّلة أفقدت الثورة زخمها وعفويّتها وحوّلت الفعل السياسي إلى ممارسة اقتناص للخصوم وتجريح لهم.لقد أدرات الدولة القديمة معركة بقائها بقدرة عالية وسقط " الثوريّون الجدد" في المتاهة وأمضوا جهدهم الثوريّ في دائرة مغلقة.