تمهيد:عود على بدء كانت رواية حدّث أبو هريرة
قال..وكأنّها تحاكي قصّة خلق الإنسان وتعيد سيرته وقد ولد ولادتين من عالم الغيب
يأتي وإليه يمضي وكذلك كانت رواية المسعدي فمن عالم العبث والعدم والسكينة
والاطمئنان الزائف كان انعباث أبي هريرة في النصّ وفي المغامرة ومن الوجود إلى
العدم كان منتهى الرحلة والعجيب في الرواية عناصر التماثل بين البداية والنهاية
فأبو هريرة يفتح أبواب الحديث ويغلقها فكان مستهلّ الرواية ومنطلق المغامرة بعثا أوّل
ومنتهاها بعثا آخر وتمثّل النهاية في كتابات المسعدي شكلا من أشكال الخروج عن
الروايات الوجوديّة التي ظهرت في الغرب فليست نهاية البطل الوجودي عبثا خالصا ولا
فناء محضا ولا عدما دائما بل هي استفاقة أخرى على وجود غيبي لا نراه عيانا وإنّما
ندركه يقينا فكأنّ البطل في المغامرة يترقّى درجات الوجود الإنساني حتى إذا بلغ
عتبات المطلق انفتحت له آفاق الغيب حيث لا يفنى.
الحوار ووظائفه: الحوار في رواية حدّث أبو هريرة قال
أسلوب روائيّ له خصائصه الفنيّة وأبعاده الدلاليّة إذ كانت الرواية الوجوديّة
مغامرة الشخصيّة الرئيسيّة (البطل) وهو ينحت كيانه ويسأل عن معنى وجوده في مدارات
من التجارب يأتيها البطل باحثا وينتهي حائرا ولذلك كانت لغة الحوار مزيجا من
الإيحاء والتكثيف والتقريرية والإنشائيّة الممتلئة سؤالا وحيرة أو رمزا وإشارة إذا
كان الحوار في الرواية محملا أسلوبيا يكشف عن مواقف الشخصيّات من القضايا
الوجوديّة الذهنيّة وفي هذا النصّ كان حوار أبي المدائن وأبي هريرة مؤذنا بالنهاية
معبّرا عن ذلك الشوق إلى معانقة المطلق وتجريبه ولذك كانت عبارات أبي هريرة مكتنزة
رمزا وإيحاء مستحضرة لخطاب صوفي يرى قيمة الوجود في منتهاه أمّا الزمن فغروب يعيد
إلى النصّ ذلك التعبير الرمزي الذي وسم الرواية بميسم ذهني فلسفي فالرواية مغامرة
البطل وهي كذلك مغامرة الفكرة التي امتدّت في مداها يوما أو بعض يوم (من الفجر إلى
غروب الشمس) وكأنّها ترسم دورة الحياة والكون يسيران في فلك الوجود والزمان ومع
غروب الشمس ترسو مراسي الرحلة وينقطع المسير ويتأهّب البطل إلى الرّحيل الأخير
مندفعا نحن الغيب أو اللانهائيّ الذي لا يرى والأبديّ الذي لا يفنى.
الرواية العربيّة: حدّث أبو هريرة قال... محمود المسعدي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق