هنشير
اللفت: الحقيقة الغائبة والحقّ المسلوب
ليس مجرّد قطعة من الأرض
فقط وإنّما هو كذلك قطعة من الوجدان والتاريخ بل إنّ كثيرا من سردّيات التراث
وحكاياته ترتبط عند فرقة أولاد خلفة من عرش ماجر بهذه الأرض ..حدّثنا البعض أنّها
تعود إلى ثورة علي بن غذاهم سنة 1864 وهو مع ذلك رسم لفواصل الجغرافيا والتشكيلات
القبلية والعروشيّة قديما قبل أن تتحدد معالم الجمهوريّة والدولة الجديدة وتسمّى
في أبواب التاريخ قبل التقسيمات الإداريّة والترابيّة للدولة التونسيّة الحديثة.
استمدّ اسمه من نشاط
فلاحيّ لمعمّر فرنسي كان يستغلّه في زراعة " اللفت السكري" بعد انتزاعه
من مالكيه.
تاريخ الهنشير هو حدود
الذّاكرة لفرقة أولاد خلفة ومنها يستمدّون تفاصيل الحكايا وملاحم الأجداد ومن
الذاكرة يعودون إلى نهايات القرن التاسع عشر فيروي شيوخهم حكايات الهنشير في
حميميّة يمتزج فيه شعور الفخر بالحيرة.
تاريخ النزاع
على الهنشير يعود إلى النصف الثاني من القرن التاسع أي أنّه يمتد على أكثر من 150
سنة وقد شهدت القضيّة مراحل عديد للتقاضي في القيروان ثمّ سوسة فتونس وانتهت إلى
إسناد ملكيّة هذا العقار موضوع النّزاع إلى فرقة أولاد خلفة من عرش ماجر وبحدوده
الحاليّة موضع النّزاع وهذا ما تثبته حجّة ملكيّة رسميّة بتاريخ10 محرّم 1321 هجريّا الموافق لـ 11 مارس 1894
ميلاديّة وفي هذه الوثيقة شهادة لوجهاء وشيوخ من أولاد عيّار يشهدون فيها بحقّ
أولاد خلفة في تملّكه ولاتزال الوثيقة عند ورثة المالكين لهذا العقار...حجّة
الملكيّة ما تزال تحتفظ بحق النّاس ولا تزال تشهد بمرحلة من مراحل التاريخ التونسي
المعاصر سواء تعلّق الأمر بالأختام أو أسماء الشيوخ والوجهاء من العروش أو
التسميات القديمة للوديان والأراضي والسّهول..ما تزال فرقة أولاد خلفة تحتفظ
بالوثيقة تتوارثها جيلا من يعد جيل كما تتوارث الحكايات والقصص القديمة .
وثيقة الهنشير
أقدم من نظام الجمهوريّة وأقدم من التقسيمات الإداريةّ الجديدة وأقدم من حدود المعتمديّات
المحدثة في دولة الاستقلال.بعد الاستقلال تجدّد النزاع بين فرقة أولاد خلفة وعرش
أولاد عيّار وتحتفظ ذاكرة النّاس كما أجسادهم بتفاصيل هذا النزّاع وأطواره ومراحله
سنة 1960 وسنة 1984 وسنة 1993 ولعلّ تواتر النزاع وفي فترات متعاقبة ومتباعدة من
التّاريخ التونسي الحديث يؤكّد أن المسألة تحتاج إلى حسم قانوني يحقّ حقّ النّاس
ويضمن السّلم الأهلي ويحقن دماء التونسيين.
يقع الهنشير
الآن حدّا فاصلا بين معتمدية سبيبة ومعتمديّة جدليان من ولاية القصرين ومعتمديّة
الروحيّة من ولاية سليانة ويقع ترابيّا في معتمدية الروحيّة وهذا موطن النّزاع حيث
استعادت الدولة ملكيته وتمّ النشر في معتمديّة الروحيّة ومقرّ ولاية سليانة دون
علم المالكين من فرقة أولاد خلفة وهذا ما حرمهم من تقديم الاعتراض والاستظهار بما
يثبت حق الملكيّة من شهادات ووثائق.
منازل ما تزال
قائمة تشهد كما يشهد أهلها بحقّهم في ملكيّة هذه الأرض وهم إلى حدود تجدد النزاع
في هذه الأيّام يستغلون الهنشير في الرّعي أو زراعة الحبوب.
كلّ الذين
التقيناهم عبّروا عن رغبتهم في وأد الفتنة وحفظ دماء التونسيين ولكنّهم حمّلوا
الدولة مسؤوليّة البحث في هذا الملفّ بحثا جادّا يعود فيها أهل الاختصاص إلى
التاريخ يستعرضون الوثائق ثمّ يحقّون حقّ النّاس .مطالبهم وجّهوها إلى رئيس
الجمهوريّة ورئيس الحكومة ووزارة الداخليّة والعدل وأملاك الدولة وهم مع ذلك
يدركون أنّ هذا الملفّ يتداخل فيه الاجتماعي بالأمني ومداخل الحلّ سياسي وإداري .
كما عبّر بعض
سكّان منطقة أولاد خلفة أنّ البعض يستغلّ نفوذه من أجل الاستيلاء على الهنشير
مستغلاّ في ذلك نقل هذا العقار من ملكيّة مالكيه إلى ملكيّة الدولة.
هنشير اللفت
ليس مجرّد وقائع تاريخيّة يرويها الشيوخ من فرقة أولاد خلفة للأبناء وإنّما هو
كذلك حقّ للأجيال القادمة التي أدركت منذ الصّغر أنّ هذه الأرض أرضهم وهي جهد
الآباء ..فمن يعيد الحقّ إلى أصحابه؟
محمد المولدي
الداودي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق