المشاركات الشائعة

السبت، 10 أبريل 2021

 

                                    التطبيع خيانة: العبارة التي أكلها حمار الرئيس.



كانت عبارة ساحرة اهتزّت لها شوارع غزّة فرحا واستجاب لها الوجدان التونسي المملوء حبّا لفلسطين وتفاعل مع صاحب العبارة انتخابيّا وكان الانتصار ..

كانت العبارة بعد ذلك خادعة كاذبة غادرة كشفتها أفعال الرّئيس وفضحتها زيارته إلى البحرين كانت العبارة مجرّد تقنية انتخابيّة ألقى بها الرّئيس في وجدان شعب انفعالي ولكنّه منتصر للقضيّة الفلسطينيّة ولو نظر النّاس في ذلك الوقت نظر العقل في حدود هذه العبارة وإمكانات ملئها بمواقف سياسيّة أو ديبلوماسيّة تتنصر للحقّ الفلسطيني لأدركوا في حينها أنّ قوله كان مجرّد دعاية انتخابيّة لا غير فلم يعرف على الرئيس أي موقف من المسألة الفلسطينيّة أو قضيّة " التطبيع" ولم يعرف عنه إنكاره للمسار التطبيعي الذي بدأه نظام ابن علي منذ سنة الألفين عبر مكتب العلاقات الاقتصاديّة مع الكيان الصهيوني.

زيارة الرئيس إلى النظام المصري كانت الكاشفة لأنّها نزعت كلّ قناع وأظهرت عوراته وأبانت مواقفه التي وصفتها الصفحة الرسميّة لرئاسة الجمهوريّة بأنّها متطابقة مع الموقف المصري.

الموقف المصري مكشوف ومعلوم ووفق ما ذكر في الصفحة الرسميّة لرئاسة الجمهوريّة يمكن معرفة الموقف التونسي قياسا على مواقف النظام المصري من قضيّة التطبيع وحركات المقاومة في فلسطين ولبنان وإذا كانت المواقف متطابقة فهذا يفضي إلى نتيجة تؤكّد ميل الرّئيس إلى خطّ التطبيع ومحاصرة قوى المقاومة المسلّحة أو الشعبيّة.

الرئيس والمحيطون به يعلمون أنّ القبول بالتطبيع هو الخطوة الأولى في اتجاه تطبيع مواقفه مع المحور المصري الإماراتي السعودي الذي اختاره الرئيس أخيرا وهو كذلك الخطوة الأولى في اتجاه تطبيع العلاقة مع أمريكا ومن ورائها الكيان الصهيوني.

كان الكيان الصهيوني ومن وراءه من قوى دوليّة يدركون أنّ خطر الثورات العربيّة ليس في إسقاط أنظمة عربيّة قمعيّة عميلة دمّرت شعوبها فقط وإنّما كذلك في إعادة القضيّة الفلسطينيّة إلى عمقها الشعبي الثائر ..الشعوب الثائرة في موجة الثورات العربيّة هتفت للحريّة كما هتفت لفلسطين ولذلك كان الانقلاب في مصر وكانت الحرب الأهليّة في ليبيا وسوريا واليمن والدول التي دفعت إلى وأد الثورات وقتل أحلام الشعوب في المهد هي نفسها الدول التي تقود موجة التطبيع في نسختها الأمريكيّة الثانية زمن حكم "ترامب".

محيط الرئيس التونسي المملوء مواقف فرنسيّة يعلم ذلك ودفعه إلى اختيار محوره الداعم لخطّ " التطبيع " مع الكيان الصهيوني فكّا لعزلة الرئيس الديبلوماسيّة وكشفا لغموضه الغالب على موقف الدول الغربيّة وطمسا لارتدادات تلك العبارة التي قالها الرئيس ذات خريف انتخابي "التطبيع خيانة" .

طمس آثار العبارة الخادعة والكاذبة والغادرة سيمرّ حتما بمسارات كثيرة ومنها الانحياز الكلّي لمحور التطبيع العربي ( مصر والإمارات والسعوديّة والبحرين) وسيجعل من مسألة التطبيع التونسي مسألة وقت لا غير ويبدو أن سياسة الرئيس الداخليّة ودفعه إلى تعطيل كلّ مؤسسات الدولة لإنتاج أزمة اجتماعيّة واقتصاديّة خانقة سيكون السبيل الوحيد لذلك فالمجتمع الجائع والمنهك لا يبحث كثيرا عن لحظات النضال التاريخي لشعب مظلوم وإنّما سيكتفي بالبحث عن قوته وإن كان في التطبيع مع الكيان الصهيوني المحتلّ..فعلها النظام العسكري في السودان بعيد إسقاط نظام البشير ومن المحتمل أن يفعلها قيس سعيد بعيد إسقاط الدولة التونسيّة.

أسرار الزيارة ستنكشف وإن بعد وقت أو انتظار ولكنّ المعاني الظاهرة من المكتوب في الصفحة الرسميّة لرئاسة الجمهوريّة قالت كلّ شيء وكشفت كلّ سرّ وليس مستبعدا حضور من يمثّل الكيان الصهيوني في الجلسات المغلقة بين الرئيس وحاشيته والنظام المصري كما أنّه ليس مستبعدا حضور من يمثّل الإمارات والسعوديّة..الرسالة التي ستصل الإدارة الأمريكيّة والكيان الصهيوني ستكون مكشوفة "نحن مع سياسة مصر في إدارة المسألة الفلسطينية ولسنا بعيدين عن التطبيع فقط أمنحونا بعض الوقت وأعينونا على خصومنا في الدّاخل".

أسرار الزيارة ستكشف وإن طال الوقت وسيكشفها السلوك السياسي للرئيس داخليّا وإقليميّا من خلال ملف المقاومة والحركات الإسلاميّة كحركة حماس والجهاد الإسلامي أو حزب الله اللبناني ومن خلال ملفّ الصراع في اليمن والتسوية السياسيّة في ليبيا ومن خلال الموقف من الصراع في مياه البحر الأبيض المتوسّط والخلاف التركي الفرنسي اليوناني المصري..

سيعود الرئيس بملفّات استخباراتيّة هي من صميم صناعة المخابرات المصريّة والإماراتيّة والسعوديّة وسيقتبس الرئيس التونسي كثيرا من عبارات الانقلابي المصري عبد الفتّاح السيسي وستنكشف بعضا من ألغاز عبارات الرئيس التونسي الغامضة "كالغرف المظلمة والمتآمرين والخونة...".

سنشهد في المرحلة القادمة صناعة لملفّات أمنيّة محمّلة بمعطيات قدّمتها المخابرات المصريّة وسنشهد حلقة أخرى من حلقات الصراع بين الرئيس وخصوم السياسة في تونس.

نحن لا نعلم أين سيتّجه شراع السياسة في تونس وأين ستدفع به الرّياح ولكن هذه الزيارة إلى النظام المصري كشفت بعضا من وجهة وكثيرا من محنة وطن وهزيمة أمّة.

"التطبيع خيانة" العبارة التي أكلها حمار الرئيس.

محمد المولدي الداودي

تونس