المشاركات الشائعة

الجمعة، 29 أبريل 2022

المسرحيّة: مغامرة رأس المملوك جابر لسعد الله ونوّس. النصّ الخامس: جابر وزمرّد

 

التمهيد: يمثّل هذا النصّ شكلا من أشكال الوقف المسرحي عبر قطع مسار الحكاية والانحراف بها نحو مشهد جانبي يمكّن المسرحيّ من وظيفتين أمّا الأولى فوظيفة الإرجاء (تأجيل النهاية) فيتحقّق التشويق وأمّا الثاني فيتعلّق بكسر الإيهام فما إن ينشدّ المتفرّج إلى مسارات الحكاية حتذى يوقظه الرّاوي عبر مشهد يخفّف من تسارع المسار الدرامي (إبطاء الإيقاع الدرامي)( يقوم الإيقاع الدرامي في مسرحيّة مغامرة رأس المملوك جابر على تناوب المشاهد وتجاورها وفق عمليّة إرجاء متواصلة تبعد النهاية وتتجاوز أفق انتظار المتفرّج عبر كسر خطّ الحكاية والانحاء بمسارها من خلال تضمين حكايات فرعيّة.

- الصّراع في المسرحيّة من أوثق الأساليب الفنيّة ارتباطا ببناء الشخصيّات من ناحية وبناء الفعل الدرامي من جهة ثانية حيث يتنامى المسار الدرامي من خلال الصّراع .

الصّراع في مسرحيّة مغامرة رأس المملوك جابر ذو دوائر متداخلة ( سياسي واجتماعي ووجداني وحضاري) وأمّا ما يتعلّق بشخصيّة جابر فقد كان الصّراع ملمحا من ملامح البطل التراجيدي الذي يخوض صراعا تتعدّد فيه الواجهات (صراع مع الواقع الاجتماعي والمنزلة الوضيعة "مملوك" وصراع مع الواقع السياسي والبحث عن المكانة والنفوذ وصراع وجداني علامته حالة عشق متردّدة بين الحب واستحالة الوصال..) ولئن سعى ونوس عبر هذه التشكيلات المختلفة من ألوان الصراع إلى تكثيف البعد الملحمي المغامر في شخصيّة جابر فإنّه كشف بعض مواطن الخلل في مشروع المملوك إذ ينتهي الصّراع جهدا خاويا ومغامرة زائفة فهو تشكيل متعدّد لأوهام الذات في واقع متأزّم لم تدرك فعليّا آليّات تغييره أو التعامل معه ولئن بدا جابر (بالنسبة للمتفرّجين) شخصيّة متميّزة ومغامرة فقد حرص سعد الله ونوس عبر مسارات الحكاية على كشف أوهامها عبر إيقاعها في الفشل (قسوة النهاية) لأنّ المشروع الفردي والأناني والانتهازي لا يغيّر الواقع وإنّما المشروع الجماعي الجماهيري الواعي بالشروط التاريخيّة للتغير.

الموضوع: النصّ لوحة عشق ترسم مظاهر التباين بين أحلام جابر وهواجس (مخاوف) زمرّد.

المقاطع: ينقسم النصّ إلى مقطعين (التناوب بين المحكيّ والمرئيّ).

1- من بداية النصّ ------------ القلق الذي يطلي سوادهما: المحكيّ.

2- بقيّة النصّ : المرئيّ.

الخصائص الفنيّة

المضامين

المحكيّ (خطاب الحكواتي)

 

 

 

 

 

 

الإشارات الركحيّة:

 

 

 

 

 

 

 

الحوار:

 

 

 

 

 

 

 

 

 

خطاب جابر:

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

خطاب زمرّد

( العاطفة والخوف,أفق المغامرة..)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

- كشف خطاب الحكواتي عن حياة جابر وراء القضبان (السجن) حيث تتجلّى خصوصيّة المكان في علاقته بالشخصيّات (الغرفة المظلمة..كفتحة العين..من محبسه..) ويحاول الحكواتي من خلال صورة المكان رسم أبعاد متناقضة تتّصل بالشخصيات إذا يمثّل المكان على ضيقه أفقا من أفق الحلم وفيه تتسع رؤى جابر وتتكثّف الأحلام وهو مرحلة من مراحل تحقيق مشروع المملوك جابر ( تبليغ الرسالة إلى ملك العجم ثمّ نيل المكافأة).

- لا تخرج علاقة الوزير بالمكان (السجن) عن بعدها السياسي فالسجن بعد سلطوي يروم من خلاله الوزير إلى إخضاع المملوك جابر وتحقيق مشروعه ( الاستعانة بالعجم للتخلّص من الخليفة) ولئن كان الترقّب سمة جامعة بين الشخصيّتين فإنّ الاختلاف في المقاصد والغايات مثّل حدّا فاصلا بين مشروعين مختلفين رغم التداخل بينهما (مشروع جابر ومشروع الوزير).

- تركيب الغرفة على المسرح وهي إشارة ذات وظيفة إخراجيّة تتجاوز البعد المسرحي التقليدي لتعبّر عن حضور العناصر الفنيّة للمسرح الملحمي ( تقنية من تقنيات التغريب وكسر الإيهام).

- نقل حركة الممثلين على الرّكح " الحارس ينحني ويخرج الوزير"

         التضافر بين المحكيّ والمرئيّ أسلوب فنّي ميّز أعمل سعد الله ونوس المسرحيّة وخاصّة تلك التي تتنزّل في إطار تجربة مسرح التسييس ويمثّل هذا التداخل بين المحكي والفرجويّ (المرئيّ) أو بين السموع والمنظور تقنية من تقنيات المسرح الملحمي فكان الجمع بينهما جمعا بين رافدين الرافد التراثيّ من خلال شخصيّة الحكواتي والمادّة الدراميّة التاريخيّة والرافد المعاصر من خلال الاستفادة من تجربة المسرح الملحمي.

          أحسن سعد الله ونّوس توظيف الوسائط الفنيّة للجمع بين المحكيّ والمرئيّ .

          تمثّل شخصيّة الحكواتي شخصيّة واصلة تتحكّم في مسارات الحكاية وانعراجاتها وتحوّلاتها كما تتحكّم في انفعالات المتفرّجين وتحويل مدارات اهتماماتهم .

قدّمت الإشارة الركحيّة في نهاية المقطع الأوّل الجارية زمرّد على أنّها استثناء جميل في عالم مليئ بالسكون والموت والعزلة فهي الجمال في عالم السياسة ومؤامراتها وهي الحبّ في عالم الحقد والكره والدسائس وهي صوت طافح بالحيتة في عالم كلّ مؤشّراته توحي بالموت والخراب والفناء ولذلك كان هذا المشهد انتقالا بالمتفرّج من واقع السياسة ودسائسها وصراعاتها إلى فضاء وجدانيّ تعود فيه الذات الإنسانيّة لتختبر نقاء الوجدان وبراءة الحلم وصفاء المشاعر ولهذا كان صوت زمرّد في المسرحيّة صوتا نشازا لا تستهويه أحلام العشق بقدر ما تفزعه قسوة الواقع ولقد حقّق سعد الله ونوس عبر حضور شخصيّة زمرّد أمرين:

* إبطاء إيقاع الحكاية وإرجاء النهاية عبر تشعّب المسارات وتنوّع الحكايات.

* تأكيد البعد التراجيدي في شخصيّة جابر من خلال تكثيف البعد الوجداني باعتباره موطنا من مواطن الصراع في المسرحية ( الصراع الداخلي بين اندفاع العاشق وهواجس الحبيبة).

- كشفت الإشارة الركحيّة عن بعض ملامح شخصيّة وهي ملامح تتجاوز صورة المملوك المغامر إلى صورة العاشق ولذلك كان خطابه مشحونا بلغة شعريّة وجدانيّة تكثّف هذا البعد العاطفي ولذلك كان الخطاب وجدانيّا غنائيّا ( الغنائيّة هي خطاب الذات حين تنعزل عن واقعها وتعود إلى ذاتها وتبوح بأحلامها أو أوجاعها وفي المسرحيّة موضعان من مواضع الخطاب الغنائي:1- لقاء جابر بزمرّد 2-رحلة جابر إلى بلاد العجم بعد خروجه من بغداد حاملا الرسالة".)

- كان خطاب جابر رغم غنائيّته خطابا حالما (س+ فعل في صيغة المضارع"سأكون أسرع من الطير..")

- من خلال مخاطبات جابر تمتزج صورتان لهذه الشخصيّة صورة جابر المغامر المدفوع بأحلامه وصورة جابر العاشق ولئن كان الخطاب مشحونا بأبعاد وجدانيّة فإنّه لا يخلو من موقف سياسيّ يعكس رؤية المملوك جابر للصراع السياسي ومآلاته إذ لا يرى جابر في صراع الخليفة مع الوزير إلا لعبة سياسية أتقن استثمارها قصد تحقيق طموحاته دون أن يدرك مخاطر هذا الصراع على الناس والأوطان "فخّار يكسّر بعضه يا زمرّد المهمّ أن نبلّغ الرسالة وأنال مكافأتي ..لن نحمل همومهم أيضا مستقبلنا أهمّ".

- سلطة الشهوة أو الإيحاء الجنسي: لئن كانت شخصيّة جابر ذات ملمح تراجيدي (مشروعا ومصيرا) فإنّها اكتسبت من خلال خطابها ملمحا كوميديا عبر أشكال الهزل والإضحاك والمفارقة والإيحاءات الجنسية ومخالفة القواعد العامّة والسلوك الماجن الشهوانيّ وفي هذا المسلك إمتاع للمتفرّج وتخفيف من البعد الإشفاقي (التعاطف أو الشفقة) عبر ألوان الهزل والتسلية كما يعبّر هذا الجمع بين البعد التراجيدي والبعد الكوميدي في البناء الدرامي لشخصيّة جابر مظهرا من مظاهر التغريب وشكلا فنيّا من أشكال كسر الإيهام.

 

- التماثل الطبقي بين شخصيّة المملوك جابر وشخصيّة الجارية زمرّد فكلاهما ينتميان إلى نفس الطبقة الاجتماعيّة.

- تمثّل لونا من ألوان الصّراع في المغامرة (المبالغة في الحلم # المبالغة في الواقعيّة /التفاؤل#الهواجس/جهل بالنهاية#توقّع النهاية الفاجعة)

- كان البعد الحجاجي ظاهر في خطاب زمرّد إلى حدّ أضحى فيه خطابها عنصرا معرقلا (الحذر وإدراك المخاطر والوعي بالمؤامرات..)

      كشف خطاب زمرّد عن محدوديّة مشروع جابر وتهافته فجابر لم يحمل في مشروعه رؤية  تهدف إلى تغيير الواقع الاجتماعي أو السياسيوإنّما كان مشروعا ذاتيّا محكوم بالأنانيّة والانتهازيّة والوصوليّة ولذلك كان مشروعه محكوما بالفشل ( المصير الفاجع).

- يتناقض مشروع جابر مع رؤية سعد الله ونوس للتغيير الاجتماعي والسياسي فالتغيير في منظور ونوس لابدّ أن يكون جماعيّا وشعبيّا وواعيا بالشروط التاريخيّة للتغيير.

- الحب والسياسة باعتبارهما مسارين ينتهيان بالبطل إلى نهايته.

- لا يحمل جابر مشروعا أصيلا للتغيير وإنّما كان مشروعا انتهازيّا تحكمه رغبة الفوز بالمكافأة (الفوز بزمرّد والمنصب السياسي والثروة).

- يغامر جابر من أجل هدف زائف يسير به نحو النهاية الفاجعة.

 

 

ليست هناك تعليقات: