التمهيد:كانت مسيرة أبي هريرة على امتداد المغامرة رحلة من خواء الكيان
وفراغ الوجود إلى محاولة امتلائه وبلوغ اكتمال معناه غير أنّ التجربة كلّما
استغرقها أبو هريرة كلّما أفناها وكلّما تراءى له اكتمالها كلّما أفضت إلى عدم
جديد وعلى نحو من البناء الثلاثي كانت تجارب إبي هريرة معبّرة عن مغامرة الإنسان
يتّبع المعنى علّه يدركه فإذا كاد يستوي يقينا استحال زيفا وفي التجربة مراحل ثلاث
تعرّف ونيّة ثمّ إغراق في الفعل ثمّ انقطاع يجدّد من خلاله بطل المغامرة رحلة
البحث عن المعنى في سفر لا يكاد ينتهي (الشروع في المغامرة-الاستغراق-الانقطاع) وتمثّل
تجربة "الحسّ" (الجسد) أولى تجارب أبي هريرة بعد انبعاثه الأوّل
واستفاقته الوجوديّة وفي هذه التجربة احتفاء بالجسد واحتفال بالشهوة على نحو وثنيّ
أسطوري يعود بالنصّ إلى مغامرة الإنسان الأولى حيث يكتب الجسد قيمة الوجود ومعناه
ضمن أفق جمالي فلسفي يؤكّد صلة المعنى الوجودي بالجسد.
الموضوع: مغامرة أبي هريرة مع ريحانة (التجربة الحسيّة).
المقاطع: ينقسم النصّ إلى قسمين (ثنائيّة النثر والشعر).
1- من بداية النصّ ------ البرق: النثر (السرد +الوصف).
2- بقيّة النصّ :الشعر البعد الاحتفالي بالجسد).
|
|
* تنزيل النصّ في مغامرة البطل الوجودي (التجربة الحسيّة) ريحانة: الخصائص والصّفات 1- النّثر: السّند" حدّث أبو المدائن وكان من خاصّة أبي هريرة قال.." المكان "ضيعة أبي هريرة" وكانت بنجد لا تصلح لزرع.. الزمان: ليل "ظلام الليل.." الشخصيّات:أشباح..نفر جلوس..ريحانة..أبو هريرة وصاحبه.. الحوار: 2- الشعر: |
- يرد هذا النصّ بعد حديث البعث ثمّ حدجيث المزح والجدّ فحديث التعارف في
الخمر وهي أحاديث خصّها الرّاوي لريحانة وعلاقتها بأبي هريرة وتمثّل ريحانة في
الرواية قطبا من أقطاب التجربة الحسيّة ومحورا من محاور المغامرة فيها. يدلّ الاسم (ريحانة) عمّا تستغرقه تجربة الحسّ من لذّة أو متعة وشهوة كما
تشير إلى ذلك البعد الجمالي الحسي المادي ولقد تخيّر المسعدي في أغلب كتاباته
أسلوبا من أساليب الترميز حيث تكتسب أسماء الأعلام مداليل هي من صميم التجربة
(ريحانة في تجربة الحسّ وظلمة في تجربة الرّوح أو الإيمان). - ريحانة هي آخر من تبقّى من أهلها حين أكلتهم النّار وهي من سبايا
الأنمار سباها رجل يقال له لبيد وهي من قوم أساف ونائلة ولها منذ صباها ميل نحو
التمرّد والخروج عن مألوف العادات والقطع مع قيم الجماعة وفي امتدادها الأسطوري
الوثنيّ (أسطورة أساف ونائلة) تتحوّل إلى رمز للحبّ والمعصية أو الخطيئة بل إنّ
الخطيئة تتحوّل عندها إلى شكل من أشكال الطقوس الوثنيّة فقد كانت تنزل مكانا
وسطا بين مكّة والمدينة تطلب المتعة واللذّة (استحضار وثني لصورة الحجّ). - كانت الشخصيّات في رواية حدّث أبو هريرة قال.. صورا مختلفة لحقيقة
واحدة فريحانة ليست إلا وجها من وجوه أبي هريرة (تمثّل ريحانة البعد الحسّي في
ذات أبي هريرة) فالشخصيّات رموز وأقنة لشخصيّة أبي هريرة المتعدّدة المنشدّة إلى أقطاب متناقضة المعبّرة عن حقيقة
الإنسان متعدّد الأبعاد. - شخصيّة أبي هريرة في الرواية شخصيّة استقطابيّة تسوعب كلّ الشخصيّات
وتصهرها في ذات واحدة هي ذات البطل في المغامرة. - رغم ارتباط كلّ الشخصيّات في الرواية بشخصيّة البطل في المغامرة واتصال
وجودها بوجوده فقد كان لها حضور في المغامرة يحقّق لها بعض الوجود والمعنى بعيدا
عن الشخصيّة القطب (شخصيّة أبي هريرة). - تعود بنية السّند والمتن في رواية "حدّث أبو هريرة
قال.."بالنصّ إلى أشكال تراثيّة قديمة (الخبر والحديث..)والملاحظ في
الرواية هو تنوّع الرواة بتعدّد الأحاديث واختلاف مواقعهم من القصّة ويمثّل هذا
التنوّع والتعدّد آليّة فنيّة تخيّرها المسعدي في كتابة الرواية ليجعل منها نصّا
تتعدّد أصواته ويحوّل الشخصيّة المحوريّة (شخصيّة البطل) إلى حضور روائيّ تختلف
مواقعه فهو يحدّث عن نفسه على نحو من الشّهادة والاعتراف وأحيانا يحدّث عنه
بقيّة الرواة خبرا متواترا منقولا فتنكشف من أبي هريرة أبعاد خفيّة فيكشف تعدّد
الرواة في الرواية عن زوايا مظلمة خفيّة وأركان معتمة لا تكاد تبين من ذات البطل
فكأنّ أبا هريرة صوت واحد تتعدّد أصديته وكأنّه الذات المفردة تتجاذبها الأبعاد
إلى حدّ يغريها بالتلاشي. تمثّل آليّة تعدّد
الأصوات (الرواة) شكلا من أشكال الاستخدام الروائي الحديث عبر تعّد وجهات النظر
والزوايا واختلاف الموقع الروائي والتحوّل في نقطة التبئير( موقع الراوي). - يستخدم المسعدي مقوّمات الرواية (الشخصيّات المكان والزمان والأحداث)
استخداما مخصوصا وله في رواية حدّث أبو هريرة قال.. بعدان: 1- يعود بالرواية إلى منابت التراث فيتجاوز هذا الحضور شكل الكتابة
(الخبر والحديث) ليتعلّق ببناء الشخصيّات من حيث الهويّة والصفات أو ببناء
المكان حيث معالم البيئة العربية (الصحراء.المدينة مكة نجيد..) 2- تتحوّل العناصر الروائيّة (الشخصيّات والأمكنة والأزمنة والأحداث..)
إلى عناصر رمزيّة توحي بالفكرة وتشير إلى مضمون التجربة وفي تجربة الحسّ (الجسد)
كان المكان رافدا من روافد بناء الدلاة فالصحراء رمز الانعتاق والانطلاق
والامتداد وأمّا الكهف فرمز لبدائيّة فطريّة وفعل إنسانيّ عفويّ يزيل تراكمات
الحضارة ومكتسبات الثقافة ويعود بالفعل الإنساني إلى لحظة البدء حيث لذّة الخلق
ومتعة الوجود. يتنزّل نصّ المسعدي "
حدّث أبو هريرة قال.." ضمن الأدب الرمزي والذهني حيث يتجاوز الكاتب الدلالة
المباشرة ويحمّلها بأبعاد رمزيّة ولقد مثّل الرمز في الرواية مسلكا فنيّا طريفا
نزّلها في منازل الأدب الحديث "أنا ملتزم الرمز اجتهادا..". + الحوار في الرواية مسلك فنيّ يؤكّد الخصائص الروائيّة للأثر وهو أسلوب
حمّله المسعدي بمعان فكريّة وفلسفيّة تتجاوز مجرّد الكشف عن بواطن الشخصيّات أو
العلاقات بينها " يتحوّل الحوار في رواية حدّث أبو هريرة قال..إلى مطّرحات
فكريّة تجلو البعد الوجودي وتكشف مذهب المسعدي ورؤيته الفنيّة..". - في الحوار طرح لقضيّة فلسفيّة وجوديّة تتعلّق بتلك العلاقة بين الماهية
والوجود فالوجود في الفلسفة الوجوديّة هو الذي يحدّد الماهية ويكتسب معناه حين
تحقّقه فلا معنى للأشياء قبل وجودها ولا ماهيّة لها تخصّصها أو تحدّدها "
لقد كان حينئذ كالألحان قبل الضرب.." وبذلك كانت التجربة في الرواية
الوجوديّة مغامرة اكتساب المعنى أو اختباره " وليس أبدع من الأوتار
تجسّ..". تكمن قيمة الوجود
الإنساني في محاولة اكتساب المعنى عبر التجربة أو الفعل وليس الغاية في التجربة
بلوغ الغاية وإنّما في اختبار الفعل. - يتلو مقطع الشعر مشهدا احتفاليّا ("هتف مزمار همسا رقيقا ثمّ
تعالى ..قامت إليه مزامير ودفوف وصوت مغنية.."). -حضور الشعر في حدّث أبو هريرة قال..:كانت كتابات المسعدي عصيّة على
التصنيف أبيّة على التجنيس إذ كان المسعدي يدرك أنّ ثراء النصّ وطرافته تكمن في
الاحتفاء بأكثر من نصّ فيكون نصّ المسعدي ذاكرة النصوص وجمّاعها وفي امتزاج
الشعر بالنثر عود إلى خصائص الكتابة التراثيّة (النصّ الجامع..). * البعد الروائيّ في امتزاج النثر بالشعر: - إذكاء البعد الاحتفالي: إذ يمثّل الشعر عنصرا من عناصر احتفاليّة النصّ
عبر الغناء والإيقاع وبذلك يؤكّد المسعدي ذلك الانصهار بين الشكل والدلالة (
يحوّل المسعدي الأسلوب إلى حامل من حوامل المعنى). - تأكيد البعد الطقوسيّ الوثنيّ في إطار تجربة الحسّ ففي الشعر استحضار
للأسطورة وبعث لها في متن النصّ على نحو من المناجاة أو التهجّد كفعل أصحاب
الديانات القديمة ويمثّل الشعر علامة الاحتفال وأساف ونائلة في التراث الأسطوري
العربي رمزان للحب والذنب والشهوة والخطيئة المقدّسة ومن خلالهما يعيد المسعدي
بناء الأسطورة ويحوّلها من فعل مدنّس مذموم إلى فعل تعبّدي يحاكي المقدّس ضمن
تجربة احتفالية تحتفي بالجسد وتتغنى بباللّذة والمتعة (مذهب اللذّة). - شعريّة الرواية : سلك المسعدي في كتاباته مسالك فنيّة أوقعت الرواية في
مواقع "الشعريّة" من خلال تمازج النصّين (النثر والشعر) المكوّنين
للأدب العربي القديم فيمتدّ نصّ الرواية على كلّ أقطاب اللذّة الفنيّة كما
تتشكّل الشعريّة الروائيّة في حدّث أبو هريرة قال..عبر عناصر فنيّة حديثة من
خلال أسلوب الإيحاء والتكثيف والمز والاستعارة والتشبيه .." إذ هتف المزمار
همسا رقيقا كأنّه الذكرى..". |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق