من وحي
أحداث فرنسا 2015
من
الجزائر بدأت القصّة ..أفلا تفقهون.
لقد كانت المسألة
السياسيّة وأشكال إدارة الحكم ورعاية مصالح النّاس بابا من أبواب الفكر الإصلاحي
في بدايات القرن التاسع عشر. كما كان سؤال "النهضة
"في وجهها السياسيّ أحد محاور الجدال الفكري بين المدرسة الأصوليّة والمدرسة
التحديثيّة في مصر وتونس وغيرها من الأقطار. وبعيد سقوط الخلافة العثمانيّة
سنة 1924 أعادت جماعة "الإخوان المسلمون" سؤال المشاركة السياسيّة إلى
واجهة الفكر الإسلامي الإصلاحي .وأكّدت في أدبيّاتها ورؤيتها الفكريّة ذلك التلازم بين
الإصلاح السياسي والواقع الاجتماعي والاقتصادي. وأشارت في كتاباتها إلى ضرورة
الفعل السياسي بعيدا عن الجمود الفقهي والالتزام الدعوي.
واجهت الجماعة صراعا مريرا
مع الأنظمة العسكريّة في الستينات. ولكنّها أكّدت في شدّة المحنة على
أنّ الفعل السياسي هو السبيل الوحيد للتغيير .ومن فكر الجماعة ومنهجها التنظيمي
نشأت حركات وجماعات إسلاميّة في كل البلدان العربيّة. ومنها حركة الاتجاه الإسلامي في
تونس وجبهة الإنقاذ الجزائريّة وحركة حماس الفلسطينيّة وجبهة العمل الإسلامي في
الأردن وحزب الإصلاح اليمني .كما نشأت حركات في كلّ البلدان الإسلاميّة تستمدّ
فكرها من فكر الجماعة الأمّ في مصر.
في بداية الثمانينات بدأت
ملامح تهاوي الأنظمة جليّة ظاهرة في تونس والجزائر ومصر. وشهدت كثير من البلدان
العربيّة حراكا شعبيّا امتزجت فيه المطالب الاجتماعيّة بالمواقف السياسيّة. وبدأت
الحركة الإسلاميّة في الظهور على السطح السياسي. وفي نهاية الثمانينات كان العمل
السياسي الإسلامي هو الأقدر على الحشد والأكثر تأثيرا في الأوساط الشعبيّة والأكبر
شعبيّة لدى النّاس وخاصّة الطبقة المتوسّطة بعيدا عن النخب العلمانيّة أو
العسكريّة .
في خمسة (05) أكتوبر 1988
شهدت الجزائر انتفاضة شعبيّة عارمة استفادت من ثورات أوروبا الشرقيّة. وانتهت
بنتائج سياسيّة ألزمت الحكومة الجزائريّة آنذاك بإقرار التعدديّة السياسيّة
والانفتاح السياسي. وبدأت ملامح المشهد السياسي الجزائري في التشكّل من جديد بعيدا
عن سطوة حزب جبهة التحرير الوطني. واستفادت الجبهة الإسلاميّة للإنقاذ من هذا الانفتاح السياسي.
في سنة 1991 حققت الجبهة
الإسلاميّة للإنقاذ فوزا محقّقا في الانتخابات البرلمانيّة ممّا دفع الجيش إلى
التدخّل وتعطيل الانتخابات وإلغاء النتائج.
لم تكن فرنسا بعيدة عن الأحداث
في الجزائر المستعمرة القديمة والحديقة الخلفيّة وبوّابة فرنسا إلى إفريقيا. بل
إنّ قرار تعطيل الانتخابات يخفي في أسراره موقفا فرنسيّا يرفض رفضا مطلقا صعود
الإسلاميين. وغير بعيد عن الجزائر كانت فرنسا ترعى جنرالا صاعدا في تونس بعد
انقلابه على "بورقيبة" وهو ما أوقف المدّ السياسيّ الإسلاميّ برعاية
فرنسيّة وغربيّة.
لقد كان تعطيل الانتخابات
في الجزائر وإلغاء نتائجها قرارا فرنسيّا نفّذه جنرالات الجيش .كما كان هذا القرار
إيذانا ببداية العشريّة السوداء الدامية في الجزائر ..عشريّة من القتل والدم
اختلطت فيها أوراق السياسة والعمل المخابراتي ومصالح لوبيّات المال والنفوذ .لقد
كانت حربا "قذرة" أعادت العسكر إلى واجهة الفعل السياسي وأخرجتهم من
الظلّ إلى العلن. ولم تكن المسألة الديمقراطيّة ذات شأن عند الفرنسيين فقط معارك
الاقتصاد والنفط والغاز. لقد كان الإسلاميون في الرؤية الغربيّة والفرنسيّة خاصّة
عنوانا للحظر السياسي وإن تبنّوا المنهج الديمقراطي.الإسلاميّون في الرؤية
السياسيّة الغربيّة لا يجب لهم الحكم لأنّهم يحملون منهجا ورؤية إصلاحيّة لا تتفق
في نتائجها مع رؤية الغرب للعالم العربي الفضاء الجغرافي للمستعمرات القديمة.
في الجزائر كانت المعركة بين
النظام والجماعات الإسلاميّة المقاتلة طاحنة وفي تونس طحن نظام ابن علي الإسلاميين
عبر التهجير والسجن والتعذيب ..كان كلّ هذا على مرأى ومسمع من أوروبا " واحة
الديمقراطيّة والحريّات" .
يتكرّر المشهد الجزائري في
فلسطين بعد فوز حركة المقاومة الإسلاميّة حماس فتحاصر من كلّ البلدان ويزجّ
بنوّابها في السّجون .وبعد الثورات العربيّة وصعود التيّار الإسلامي عبر آليّات
الديمقراطيّة حوصرت التجربة التونسيّة مع حكم الترويكا ومن فرنسا ذاتها التي دعّمت
الديكتاتور حتّى آخر أيّامه .وفي مصر دعّم الغرب انقلابا عسكريّا داميا .وفي سوريا
رعى الغرب صراعا دمويّا وأبقى على طاغية يقتل شعبه خوف وصول الإسلاميين.
لقد كانت الرؤية السياسيّة
الغربيّة تجاه البلدان العربيّة حلقة استدلال في الخطاب الدعائي للجماعات
التكفيريّة. وهو خطاب لا يحتاج إلى كثير جهد. وسيفقد السؤال وجاهته إن هو أعاد تلك
الإجابات السّاذجة عن الحركات الجهاديّة والإرهابيّة.
على الغرب إن يعيد قراءة
الدّرس عبر أدوات تحليليّة مختلفة عن مصادرات الفكر السياسي الغربي ومقدّماته.وحين
تزدحم ذاكرة النّاس بجرائم الكيان الصهيوني المدعوم غربيّا, وحين تتوالى مشاهد قتل
الأبرياء في سوريا ومصر والعراق في ظلّ تآمر غربي مكشوف ,وحين يدعم الغرب كلّ
الطغاة والغزاة فاعلم أنّ تلك الذاكرة المسكونة بمشاهد الموت في كلّ مكان عربيّ
وإسلامي ستتحوّل إلى عقل إجرامي تدفعه رغبة الانتقام.
محمد المولدي الداودي
تونس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق