المصير الفاجع :
3- التداخل بين الركحين ( الحوار بين المساحتين).
الحوار : كان حوارا متعدّدا جمع بين الحكواتي والزبائن والسيّاف.
الزبائن: قام حوارهم على المرواحة بين الخبر( النفي – التأكيد) والإنشاء ( الاستفهام – التعجّب )
التعاطف والشفقة والإنكار .
ورد في المسرحيّة ما يثير الانتباه فقد مثّلت شخصيّة الزبون الرّابع تجاوزا للموقف الجماعيّ وكذلك شخصيّة الرّجل الرّابع الذي كان صوتا نشازا يختلف عن العامّة ولعلّ في هذا الاختلاف ما يوحي بوظيفة الفنّ المسرحي ( الفنّ الرّابع) فالفنّ المسرحي في رؤية سعد الله ونّوس له أن يضطلع بوظيفة التنوير والتثوير وإيقاظ العقول ومساءلة السائد ومحاكمة الواقع.
خطاب السيّاف:
يتحوّل السيّاف من الصمت والهدوء إلى مخاطبة الجمهور خطابا يختزل المغامرة ويجملها ويشير السيّاف في خطابه للزبائن إلى أشدّ مواطن المفارقة في مغامرة المملوك جابر( الوهم والحقيقة ) ومن تلك المفارقة تنشأ المأساة وخطاب السيّاف إنّما يجسّد فعل الزمن وحتميّة التاريخ ويوقظ في وعي الجمهور تلك الأسئلة التي تجاهلها المملوك جابر فبين الموت وهذه العودة المسافة سؤال ( الحكواتي : ولم يسأل السؤال )
لقد أشار السيّاف إلى تلك المناطق التي لم يتسرّب إليها سؤال الجمهور ولم ترتدها حيرته .فقد موّه الحكواتي كما سعد الله ونّوس شخصيّة جابر (الذكاء.الفطنة .المرح) فكانت النهاية صادمة وفاجعة وعلى عتبات النهاية يتوقّف الجمهور عند أسئلة الحكاية وتبدأ أسئلة القضايا والدلالات ولعلّ اهمّها:
- لماذا تخيّر سعد الله ونوس مغامرة المملوك جابر مادّة دراميّة استلهمها من التراث أي لماذا التقط ونوس من ذلك المدى التاريخي المشبع بالانتصارات ,لماذا التقط مرحلة الهزيمة؟
- يجيب سعد الله ونوس عن سبيب تخيّره لمغامرة راس المملوك جابر لانّه يتعمّد إثارة السلبيّة وتضخيم موضع الخلل في الواقع السياسي والاجتماعي فمسرح التسييس هو ذلك السؤال الجارح والمشهد المؤلم الفاجع الذي يتجاوز احتفالات النصر (دأب كثير من الكتّاب المسرحيين على انتقاء لحظات النصر التاريخي وترويجها لدى الجمهور كشكل من أشكال تعمية الواقع وتمويهه).
- إنّ ما يخشاه ونوس هو أن يتحوّل مسرح التسييس إلى شكل من أشكال " الوعي الجاهز " أي ذلك المسرح الذي يقدّم الإجابة ويمتع الناس ويجيب عن حاجاتهم في حين أنّ جوهر مسرح التسييس هو الإشارة إلى مواضع الخلل والوجع ( إيقاظ عقول الناس وتنويرها).
- الإيماء شكلا من أشكال التغريب: " يتمّ ذلك إيمائيّا وأمام المتفرّجين " في إطار الاستفادة من المسرح الملحمي وعبر تكثيف عناصر التغريب لجأ ونوس كشكل إخراجي إلى تجسيد بعض المشاهد إيمائيّا مثل حلق الرأس ,رحلة المملوك جابر إلى بلاد العجم, قطع الرأس, ثمّ خراب بغداد " ويمثّلون إيمائيّا أو هتك العرض" .
- إدماج الجمهور في العرض المسرحي وكسر الجدار الرّابع : أشكال التغريب تساهم في تحقيق حلم ونوس في مسرح شعبي حيّ وفعّال.
- تعميق البعد التراجيدي في نهاية المسرحيّة وفتح النهاية على مداليل المغامرة فشخصيّة جابر ضحيّة لاختياراتها الوصوليّة والانتهازيّة .فما لم يدركه جابر هو ذلك الحدّ الفاصل بين الشرف والخيانة والسعادة والفاجعة "بين الموت والعودة مسافة سؤال : ولم يسأل السؤال "
- يقول سعد الله ونوس : " الصورة التي هزّتني وأثّرت فيّ وبالتالي انعكست في أعمالي هي صورة الانسان العربي المهزوم والمقهور الذي يلتمس إمكانيّة أن يتفتّح وأن يحمل قدره بنفسه ولكنّه لا يجد حوله إلاّ الصعوبات والعراقيل والآكاذيب ,عراقيل سببها بالدرجة الاولى الوضع السياسي الذي يعيش فيه سببها القمع المنظّم الطويل الذي خضع له سببه أيضا شراسة القوى الخارجيّة التي تحاول هزيمته ومنعه من أن يتفتّح ويحمل قدره بنفسه" ويشير سعد الله ونّوس إلى وجوه الاختلاف بين المسرح التقليدي ومسرح التسييس ( مسرح بناء الوعي ) " يأتي الجمهور وهو يحمل أحزان يومه وهموم حياته فنمتصّ نقمته على الواقع ونحوّلها إلى ضحكات تملأ فراغ الصّالة ولا يتجاوز تأثيرها عتبة النفس والمسرح ونفرغه من شحنة غضب كان يمكن أن نوجّه إليها سهاما ونفجّرها في ذاه نارا حارقة".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق