الأربعاء، 29 أبريل 2020

دعوة الدنيّا دعوة الكون المسعدي

المحور الخامس : الرّواية العربيّة ( حدّث أبو هريرة قال..) لمحمود المسعدي.
الأهداف:
1- تبيّن الخصائص الفنيّة في الرّواية:
- بنية كامل الأثر.
- بنية الخير ( السند والمتن في كلّ حديث )
- الرّاوي: أنواعه ,وظائفه ,مواقعه.
- الشخصيّات: صفاتها, أصنافها , علاقاتها , أدوارها.
- بنية الأزمنة: السبق والرّجع.
- الحركات السرديّة: الوصف والسرد.
- الأبعاد الرّمزيّة للأماكن والأزمنة والشخصيّات والأحداث.
- مظاهر الأصالة والمعاصرة في الأثر : في اللغة . في بنية الحديث. في دعائم الحكاية ( الشخصيّات , الأحداث , المكان والزّمان ) في الشكل الفنّي.
يتمّ الاهتمام أيضا بــــ:
·        مسيرة البطل وتحليل أبعادها الرمزيّة والوجوديّة .
·        الرّوافد الثقافيّة التي أثّرت في النصّ وأغنته : الإسلام , المسيحية , الأسطورة.
2- يتمّ الاهتمام في استجلاء القضايا المعروضة بـــــ:
-       تجربة الحس ( الجسد ).
-       تجربة الجماعة ( العمل ).
-       تجربة الروح (الإيمان )
-       تجربة الحكمة ( العقل)

تمهيد عامّ:  أسئلة الوجود أسئلة الكتابة.
الوجودية تيار أدبي ومذهب فلسفي نشأ في الغرب ككل الاتجاهات الأدبّية المعاصرة .عالجت أزمة الإنسان ومنزلته في الكون وأثارت أسئلة الوجود في عمق فلسفي لامسته متعة الأدب وتتزّل رواية محمود المسعدي   " "حدّث أبو هريرة قال ..." في إطار هذه التجربة الأدبيّة والفكريّة ..وهي ككل كتاباته تجربة طريفة لها بدعتها ولها فتنتها من حيث ارتياد الكاتب لمسالك في الكتابة لم يرتدها الأدب العربيّ من قبله ومن حيث تعامله مع اللغة والأجناس الأدبيّة تعاملا استوعب من خلاله المسعدي عسر التجربة الفنيّة وعسر الفكرة الفلسفيّة فكان ككل أثاره يكابد مشقّتين :
-       " وجود الرّواية" أو تأصيلها كجنس أدبيّ له خصائصه الفنيّة.
-       " رواية الوجود" باعتبارها مذهبا أدبيّا ساءل الإنسان وبحث في منزلته الوجوديّة .
ومحور الكتابة في الرواية الوجوديّة منشدّ إلى سؤال غيبي يبحث عن هويّة الإنسان منذ خلقه وعن علاقته بوجوده والكون الذي أنزل فيه , هو سؤال القدرة والفعل والهويّة والكيان والموت والحياة والوجود والعدم والمصير والمسؤوليّة هو سؤال عن ذلك التردّد بين الإمكان والمستحيل والفعل والزيف والحقيقة والوهم والجوهر والعرض فكانت الوجوديّة تيّارا أدبيّا استوعب الحيرة وفكّر في الإنسان وبحث في الوجود عن سرّ الحياة ومعناها .

دعوة الدنيّا دعوة الكون: محمود المسعدي " حدّث أبو هريرة قال..."

التمهيد: استهلّ المسعدي نصوص روايته بإهداء وتمهيد وفاتحة وفي مقدّمة الكتاب إشارة إلى أنّ تجربة الكتابة في حدّ ذاتها تجربة وجوديّة تفتح الذات على آفاق الكون والإنسان وتحقّق ما عجز عنه من فعل وإرادة وخلود" هذا الكتاب كتبته منذ أحقاب حين كنت أروم أن أفتح لي مسلكا إلى كيان الإنسان" .
وفي التمهيد يخاطب المسعدي القارئ على نحو من وحي يطلب التنزيل أو رسالة تطلب الناس . وفي الفاتحة استحضر المسعدي بيتا الأبي العتاهية يختزل التجربة الوجوديّة في محنة الرّحيل وقسوة القرار.
طلبت المستقرّ بكلّ أرض .... فلم أر لي بأرض مستقرّ
لقد أوجد المسعدي فيما كتب من آثار نمطا في الكتابة عجيبا يأبى التصنيف ويندّ عن التجنيس ( إشكاليّة الجنس الأدبي في كتابات المسعدي ) ففي الأثر عودة إلى الخبر إلى حدّ يتوهّم فيه القارئ أنّه أمام مصنّف قديم ككتاب الأغاني أو ككتب الحديث وآثار السيرة .وهو أيضا نصّ روائيّ بما حمّله المسعدي من تقنيات الرّواية الحديثة وأساليبها وهو تأمّل فلسفي ومقالة وجوديّة وهو انفتاح على الشعر لغة وأسلوبا ورمزا وإيحاء .ونصّ المسعدي نصّ يبدع فرادته من التقاء النصوص وينسج وحدته من اجتماع الرّوافد وهو على نحو من استعارة عبارة الشاعر أدونيس " مفرد في صيغة الجمع " .
لقد أنزل المسعدي كلّ نصوصه المسألة الوجوديّة فكانت آثاره محمّلة بمضامين الوجود وأسئلة الكيان والبحث عن معنى الحياة في ركام الزيف والوهم ( كتاب السدّ أو مولد النسيان أو حدّث أبو هريرة قال ...)
لقد عبر أبو هريرة ككل أبطال المسعدي في كتاباته من أفق الطمأنينة والسّكينة إلى حيرة الوجود وقلقه ( القلق الوجودي وأزمة البحث عن معنى الوجود ). ويجسّد هذا النصّ ( حديث البعث ) مرحلة الاستفاقة الوجوديّة وهي مرحلة يعيد فيها الإنسان ترتيب علاقته مع الوجود وهو لحظة إعادة الخلق عبر القطيعة مع الماضي وتهيئة الذات للمغامرة.
الموضوع: انقطاع أبي هريرة عن عوالم الماضي والشروع في المغامرة.
المقاطع :( ثنائيّة السند والمتن ).
-       1- حدّث أبو هريرة قال.. : السّند
-       2 – يمكن تقسيمه إلى ثلاثة أقسام:
-       1- ثمّ التفت إلى صديقي ............. لشغفا إلى ذلك: القصّة الإطار ( الدعوة والاستجابة ).
-       2- فقال ...............................بين الأموات: القصّة المضمنة ( الاستفاقة على الوجود ).
-       بقيّة النصّ: الفراق ثمّ البعث.

- التصدير :
" سنعلم يوم نبعث من بين الأموات"































السند














الرّواة:






















المتن
-       الشخصيّات.
-       الصّديق





        - أبو هريرة :















 الزمن : الفجر













 المكان : الصحراء.

















 الحوار :
 -أطرافه: ( أبو هريرة / الصّديق).
- موضوعه :موقف الصّديق من أمر الفتى والفتاة.

الملاحظ في حدّث أبو هريرة قال ... تصدير الأحاديث بأقوال لكتّاب غربيين أو فلاسفة او شعراء من العرب والمسلمين والتوقّف عند ظاهرة التصدير في كتاب " حدّث أبو هريرة قال...." يدعونا إلى جمع من الملاحظات:
-       يمثّل التصدير نصّا له مراجعه الفكريّة وله مؤلّفه وله مضامينه فالتصدير شكل من أشكال التناصّ حيث يلتقي النصّ بالنصّ نصّ يكتبه المسعدي ونصّ يستعيره ولا تكون القراءة إلاّ مراوحة بين النصين.
-       أشار الناقد التونسي توفيق بكّار إلى أنّ ظاهرة التصدير في كتابات المسعدي مظهر من مظاهر حوار الشرق بالغرب أي تلك الثنائيّة التي أنزلها المسعدي في كتاباته , تجذير النصّ في بيئة أدبيّة عربيّة تراثيّة وتنزيله في فضاء روائيّ معاصر ( ثنائيّة الأصالة والمعاصرة ).
-       علاقة التصدير بالنصّ : علاقة احتوائيّة إيحائيّة فالتصدير يختزل النصّ ويعتصره اعتصارا ومن عباراته تتشكّل الفكرة أو المضمون فيتحوّل التصدير إلى نواة الحدث أو الفعل أو الفكرة ولا شكّ أنّ التصدير الذي صدّر به المسعدي الحديث وهو للشاعر والمسرحي النرويجي يحقق في النصّ ثلاثة محاور:
* محور المعرفة ( سنعلم ) بما يحقّق أن التجربة الوجوديّة إعادة اكتشاف الوجود وأنّ البعث هو إعادة خلق على نحو من تصحيح معرفة الذات للكون وأمّا الأموات فإشارة إلى ما كان عليه أبو هريرة في سكينته وخضوعه واطمئنانه فتكون الرحلة أي رحلة أبي هريرة في الحديث الأول بعثا وتجدّدا واستعادة للحياة فهي الخلق الآخر والولادة الثانية بعد الاستفاقة من واقع الموت الذي كان يحياه.

السند " حدّث أبو هريرة قال ..." يعود النصّ في بنيته العامّة إلى بنية الخبر أو الحديث كما ترسّخت في التراث العربي القديم وهذا الملح الأساسي الذي يؤكّد تجذّر النصّ في بيئة تراثيّة كثيرا ما تستهوي المسعدي وتغريه بالكتابة في قوالبها وأشكالها الأسلوبيّة . والسّند في النصّ الأوّل شخصيّة تراثيّة ( أبو هريرة ) يستعيدها المسعدي من كتب السيرة ومصنّفات الحديث ثمّ يحييها في نصّ روائيّ بل ويحمّلها رسالة الوجود وتجاربه فأبو هريرة بطل الرّواية وبطل الرحلة الوجوديّة يمتدّ في نصّ المسعدي من عصره إلى حدود البعثة المحمديّة فإذا هما شخصيّتان لتراث واحد ألهم المسعدي في كلّ كتاباته . 

-       الراوي في حدّث أبو هريرة قال ... متنوّع الحضور ومتعدّد المواقع فهو أحيانا شخصيّة يحتويها النصّ ( أبو هريرة .ريحانة ) وهو أحيانا شخصيّة تلقي بالخبر من خارج الحكاية وبهذا الآليّة الأسلوبيّة ( تعدّد الرواة واختلاف المواقع ) تمكّن المسعدي من تجاوز الخبر القديم وتحوّل فعل الرّواية إلى أصوات متداخلة وأصدية متجاوبة تحيط بشخصيّة أبي هريرة فتحدّث عنه وتخبر عن حاله وبالتالي تمكّن المسعدي عبر تعدّد الرّواة من تعدّد وجهات النظر فأحيانا يروي أبو هريرة تجاربه وأحيانا يستحيل خبرا مرويّا فهو في الرواية شخصيّة ثابتة تتعدّد صورها تعدّد فعل الرواية ( الرواة ) فتمكّن المسعدي من إضاءة الشخصيّة على نحو يمكّن من تجميع كلّ عناصر اللوحة التي شتّتها الأحاديث فشخصيّة أبي هريرة شخصيّة نامية نموّ النصّ متحرّكة تحرّك الحكاية فما إن يغيب عنك صوته حتى يستعيده صدى الرّواية ( الحواريّة في الرواية وتعدّد الأصوات ).


-       مثت شخصيّة الصّديق في الحديث الأوّل دور الدافع أو الحافز إذ مثّلت دعوته " أحبّ أن أصرفك عن الدنيا عامّة يوم من أيّامك فهل لك في ذلك؟" وتتحقّق الدعوة عبر محور دلاليّ يحيط بعبارة الانصراف التي تستوعب معاني الرّحلة أو الرّحيل في أحاديث الرّواية ففي الانصراف انقطاع وقطيعة وهو كلّها معان متشابكة ترسم بوادر رحلة أبي هريرة ومغامرته الوجوديّة .
-       هو شخصيّة محوريّة في الرّوية وهو ذلك البطل الوجودي الذي خاض طيلة الرواية مغامرة الوجود ورحلة البحث عن المعنى كانت له في الحديث الأوّل صورتان : صورة تأخذ في الامّحاء وصورة تسرع في الثبات والاستقرار داخل متن الأحاديث . والصورة الأولى ترسم سيرة أبي هريرة الأولى قبل أن يرحل عنها ( شخصيّة هي نموذج لكلّ أهل مكّة في اطمئنانها وسكونها وخضوعها وعبادتها لقد كان أبو هريرة صورة لكلّ أهل مكّة يحيا حياتهم وما يعلم من سرّ الحياة إلاّ ما علموا من عبادة تقضى وأمر يتّبع إلى أن كانت دعوة الصّديق ذات فجر وفي الصحراء ).


-       تعامل المسعدي مع جميع مقوّمات الرّواية ( الشخصيّات, المكان , الزّمان, الأحداث ) تعاملا إيحائيّا رمزيّا يكثّف من خلاله المعاني الحافّة فالفجر لم يكن مجرّد زمن للمغامرة بل لقد حمّله المسعدي بمعان ثانويّة رمزيّة فهو زمن الانبعاث والتجدّد وهو زمن الولادة والحياة وهو زمن الاستفاقة الوجوديّة يزيح ظلمة النفس ويطرق أبواب الوجود التي لم تطرق فيكشف عن غوامضه وأسراره وهو زمن بكر يختطّ من خلاله أبو هريرة مسار الرحلة ومسيرة التجربة.




الصحراء فضاء روائيّا: كانت بديلا لمكّة التي كانت في نصّ الرواية فضاء ضيّقا معبّرا عن انغلاق تجربة الذات وانشدادها إلى أواسر العادة أمّا الصحراء فلها معالم الامتداد والاتساع واللاتناهي والغموض والرحلة الدائمة والتيه ( إنّ للصحراء بعدا ساميا ينعتق معه الإنسان من كلّ الروابط والقيود والموانع ويتحرّر من الحدود ويشعر بالامتداد والرّحابة والانطلاق والأبد والخلود ).
للشخصيّات والأحداث والمكان والزّمان دلالتان :
-       العودة بنصّ الرّواية إلى مناهل التراث وروافده فالشخصيّات مغرقة في بعدها التراثي إسما أو سلوكا وكذلك المكان فهو عربيّ يعود بنا إلى عالم البادية والصحراء ( مكّة ) .
-       البعد الإيحائي الرمزي للفضاء المكاني والزماني وكذلك الشخصيّات والأحداث في رواية " حدّث أبو هريرة قال ..." .

- يؤسس الحوار بين أبي هريرة والصّديق لمفارقة في الوعي بالأشياء والوجود أو في إدراك مدلولاتها إذ كان بكاء الصّديق تعبيرا عن وعي حادّ بتلك المفارقة بين معنى الحياة والموت إذ يمثّل بكاؤه استفاقة على روعة الحياة وفتنتها أو متعة الوجود ولذّته غير أنّ أبا هريرة لم يدرك ذلك التناقض بين حالين ما يحياه بين أهله في مكّة وما يراه في الصحراء الممتدّة ولم يدرك ما بينهما من بعد والمسافة بين الحالين هي مسافة وعي وفهم للوجود .
ثمّ لبس الصّوف


مغامرة رأس المملوك جابر


المناورة أساس الحكم

التمهيد: انقسمت مسرحيّة مغامرة رأس المملوك جابر " إلى قسمين فصلت بينهما استراحة أعلن عنها الحكواتي وكانت تبعا لمشهد حلق الرأس وكتابة الرسالة عليه وتمثّل الاستراحة مسلكا فنيّا غيّر في طبيعة المسرحيّة القديمة(تقسيم النصّ إلى فصول يعلن إسدال الستار عن نهايتها ) كما كان الاستراحة أسلوبا من أساليب التغريب وكسر الإيهام ومنع الاندماج ذلك أنّها غيّرت في مسار الفعل الدرامي ( تقع الاستراحة فاصلا حاسما في المغامرة ما قبل الرحلة ثمّ الشروع في الرحلة )والمسرحيّة جمع من المشاهد ومزيج متداخل من اللوحات المسرحيّة فلا تلتزم ببنية الفعل الدرامي بقدر ما تلتزم ببنية الموضوع المسرحي ( السياسي / الاجتماعي /الوجداني ..).
مسرح التسييس باعتباره مشروعا مسرحيّا حاول من خلاله " ونّوس " إثارة المسألة السياسية بعد الهزيمة وأعاد طرح أسئلة الواقع على نحو مختلف لم تألفه الكتابة المسرحيّة العربيّة قبل الهزيمة وضمن هذا الإطار كانت المسألة السياسيّة ملحّة في حضورها عبر رموز السلطة مكانا ( ديوان الحاكم ) وشخصيّات ( الخليفة والوزير ) وعلى نحو تغريبيّ يحوّل سعد الله ونّوس مسألة السلطة والسياسة من موضوع مسرحي إلى محور يدين الواقع ويكشف مواطن الخلل فيه فالخلل في البنية السياسيّة لا يكمن في فساد السلطة أو قمعها أو استبدادها بل يكمن في عجز الجماهير عن إدراك مواطن الخلل فيها ولذلك كان أسلوب التغريب شكلا من أشكال إعادة مساءلة المألوف السياسي وأسلوبا من أساليب محاكمة الواقع ويعتقد "ونّوس" إنّ إثارة السؤال وتعميق مداه حتى يجتاح كلّ أبعاد الواقع العربي سياسة وثقافة واجتماعا هو المقصد الأساسي من مقاصد مسرح التسييس فهو مسرح يسأل ولا يجيب ومسرح يدين ويحاكم ولا يقترح الحلول .وفي هذا النصّ يعود " ونّوس" إلى مشهد من مشاهد السياسة في بعدها الحكائي وفي هذه العودة مقصد فنيّ يؤكّد عنصر الصراع باعتباره ضرورة فنيّة وأسلوب من أساليب بناء الفعل الدرامي .
الموضوع: خطّة الأمير والخليفة للقضاء على الوزير والانفراد بالحكم .
المقاطع:
ينقسم النصّ إلى مقطعين ( أسلوب التضمين)
-       من بداية النصّ ....... مشيئة المولى: الركح الحكائي ( الركح الداخلي) الحوار بين الخليفة والامير.
-       بقيّة النصّ: فضاء المقهى ( الركح الخارجي )موقف الزبون من تدبير الأمير.



1-   الإشارة الركحيّة
* الخصائص








2- الحوار :
* التوزّع الكمّي بين الشخصيّات

* أسلوبه

3- خطاب الخليفة

4- خطاب شخصيّة الأمير عبد الله




- تمثّل الإشارة الركحيّة تصديرا لمشهد من مشاهد المغامرة ( الخليفة + عبد الله) وهو شكل من أشكال التغريب إذ تسهم في نقل الجمهور من مشهد إلى مشهد فيتعطّل مسار الحكاية ( مغامرة جابر ) ويتمكّن المسرحيّ من كسر الإيهام.
- التداخل بين الحكي والعرض ( أثناء الكلام يدخل ممثّلان)
- تداخل الفضائين ( يتّخذان مكانيهما وينتظران سكوت الحكواتي ..بعد لحظات)

- هيمنة شخصيّة عبد الله على كمّ الحوار ممّا يشير إلى هيمنة الحاشية على التدبير السياسي ( أثر الحاشية في الدسائس السياسيّة )
- أسلوب حجاجي قام على ثنائيّة الإرجاء والتعجيل.

- سيطرة الأساليب الإنشائيّة كالاستفهام والنهي والتعجّب والأمر ( التردد والحيرة ).
- يتحوّل إلى ما يشبة الطّرادة ( تخويف الخليفة من ذهاب ملكه إن هو تأخّر في الفتك بالوزير ) " أصبحت اللحظة مناسبة – المناورة أساس الحكم – الفتك مسألة بسيطة للغاية"

-








مسرح التسييس


مسرح التسييس
محمد المولدي الداودي

        شكّلت هزيمة 67 حدثا صادما تجاوز مستوى الجماهير الحالمة بالنصر واستعادة الأرض ليبلغ مستوى النخبة المثقفة التي روّجت لأوهام النصر والكرامة في تحالف مفضوح مع رموز السياسة والسلطة حين كان العمل الفنيّ أداة دعاية سياسيّة ورّطت المثقّف وأوقعت الإنسان العربي في شرك السلطة وخديعة الساسة ..كانت الهزيمة لحظة مراجعة للاختيارات الفنية والرهانات الثقافية وضمن أسئلة الهزيمة ( الوعي بالهزيمة) كانت تجربة سعد الله ونوس المسرحيّة شكلا من أشكال التجريب الفنيّ لإمكانات جماليّة يستوعبها المسرح  العربي رؤية جمالية وموقفا فكريّا من واقع عربيّ مأزوم  ومن إنسان عربي ” وعيه مستلب وذائقته مخرّبة وثقافته الشعبيّة تسلب“.
        مسرح التسييس: ” يجب التنبيه إلى أنّ هناك فارقا كبيرا بين ” المسرح السياسي“ و ” مسرح التسييس“ ..وأحدّد بسرعة مفهوم هذا ”المسرح“ على أنّه حوار بين مساحتين : الأولى هي العرض المسرحي الّذي تقدّمه جماعة تريد أن تتواصل مع الجمهور وتحاوره
والثانية هي جمهور الصالة الّذي تنعكس فيه كلّ ظواهر الواقع ومشكلاته.....إنّني أحلم بمسرح تمتلئ  فيه المساحتان .عرض تشترك فيه الصالة عبر حوار مرتجل وغنيّ يؤدّي في النهاية إلى هذا الإحساس العميق بجامعيتنا وبطبعة قدرنا ووحدته. ( هوامش للعرض والإخراج)
سؤال: كيف تحدّد هنا مفهوم التسييس؟
"يتحدّد مفهوم التسييس من زاويتين متكاملتين . الأولى فكريّة وتعني أنّنا نطرح المشكلة السياسيّة  من خلال قوانينها العميقة وعلاقتها المترابطة والمتشابكة داخل بنية المجتمع الاقتصاديّة والسياسيّة....إنّ الطبقات الّتي يتوجّه إليها مسرح التسييس هي الطبقات الشعبيّة الّتي تتواطأ عليها القوى الحاكمة كي تظلّ جاهلة وغير مسيّسة الطبقات التي يؤمل أن تكون ذات يوم بطلة الثورة والتغيير من هنا كان التسييس محاولة لإضفاء خيار تقدّمي على المسرح السياسي.
أمّا الثانية في مفهوم التسييس فهي تلك التي تهتمّ بالجانب الجماليّ ...إنّ هذا المسرح الّذي يواجه مثل هذا الجمهور لابدّ له من البحث عن أشكال اتصال جديدة ومبتكرة لا يوفّرها دائما التراث الموجود في المسرح العالمي أو العربي"
لقد كانت مسرحيّة سعد الله ونوس " مغامرة رأس المملوك جابر" تأصيلا جماليّا لمقولات المسرح الملحمي ومفاهيمه وتنزيلها في بيئة عربيّة عبر أشكال فنيّة مستلهمة من التراث مادّة تاريخيةّ ( الأمثولة أو الحكاية التاريخيّة ) وصياغة مسرحيّة (الحكواتي) غير أنّ تجربة سعد الله ونوس في بعدها الجمالي القائم على استلهام الرؤى الفنية للمسرح الملحمي كما ترسخت عند رائده المسرحي برشت والمرتدّة إلى التراث العربي نهلا من بعض أشكاله الفرجويّة الشعبيّة لم تغفل المضامين والقضايا التي كانت مدار الفعل المسرحي في أعمال سعد الله ونوس ذلك أن محور السؤال عند ونوس محيط بثلاثة أقطاب متلازمة "كيف نكتب ؟ والإجابة عن مثل هذا السؤال تتنزل صميم التجربة الجمالية في مسرح ونوس ثمّ "لماذا نكتب؟ وعبر مثل السؤال تتداعى مضامين مسرحيّات سعد الله ونوس وقضاياها وأمّا القطب الثالث فمتعلّق بسؤال: لمن نكتب؟وعنه تتشكّل ملامح المتلقي في رؤية سعد الله ونوس "  إنّ الطبقات الّتي يتوجّه إليها مسرح التسييس هي الطبقات الشعبيّة الّتي تتواطأ عليها القوى الحاكمة كي تظلّ جاهلة وغير مسيّسة الطبقات التي يؤمل أن تكون ذات يوم بطلة الثورة والتغيير"
أهمّ مضامين مسرحيّة " مغامرة رأس المملوك جابر":
- المسرح في رؤية سعد الله ونوس أداة تغيير اجتماعي وسياسيّ ينأى عن التلهية والتسلية وهو بذلك مسرح تعليميّ يحرّض الناس ويدفعهم إلى تأمّل الواقع والمصير ويدعوهم إلى تغييره وهو مسرح تحريضي يدفع بالمشاهد إلى روعة السؤال ورعب الواقع ومرارته ولئن ارتبطت مسرحيّة " مغامرة رأس المملوك جابر" بهزيمة حزيران 1967 فإنّها كانت صدى فنيّا للوعي بالهزيمة في بعدها السياسي والثقافي والاجتماعي والحضاري كان ونوس كما كل مثقفي العرب وأدبائهم مصدوما بالهزيمة بعد أحلام والنصر وأوهامه عبر شعارات سياسيّة وثقافيّة زائفة وأدرك أنّ سبيل النصر والثورة والتغيير والوعي الحقيقي غير الزائف يمرّ حتما بمعاناة الواقع واختباره على نحو من الابتلاء لا القفز عليه عبر الترويج لأوهام النصر والمجد ولذلك تجاوز ونوس مفاهيم المسرح الأرسطي القائم أصلا على مفهوم التطهير باعتباره شكلا من أشكال التنفيس عن احتقان نفسي... كان التأكيد على صورة الهزيمة في كلّ تجليّاتها مشغلا أساسيّا من مشاغل ونّوس ولذلك كان الحكواتي في بعض ملامحه صوتا يستعيره ونوس من التراث الشعبي ويتقّنع به كان صوتا مؤلما عبر حكايا الهزيمة :
- زبون2 : حكاية البارحة كانت قاتمة النهاية .
- زبون 3 : من زمان ما سمعنا من العمّ مؤنس حكاية تفرح السّامع.
ولنا أن نتساءل: لماذا هذا الإغراق في صورة الهزيمة والقتامة والمعاناة؟
إنّها من طبيعة المسرح التسييسي التعليميّ كما أدركه ونّوس فعليك أن تعلّم الجماهير حقيقة واقعهم المهزوم عليك أن تشير إلى مواطن الخلل والمرض والاعتلال والوهن والفحش والزيف والمرارة عليك أن تضع الإصبع على الجرح ومن صرخة الألم ستعلم أنّك مألوم ومهزوم وهو بالتالي مسرح التعرية والكشف لا مسرح الإخفاء والتمويه. ولذلك اختار ونوس في فضاء المسرحيّة الأوّل (المقهى) فئة شعبيّة مأزومة.
- زبون 3: الله يساعده ويساعدنا ...ومن منّا خال من الهمّ؟
كما كانت في الفضاء الثاني ( التاريخ) حكاية الخيانة والتآمر والجبن  والخوف والانتهازية...وعلى نحو من التبادل الموضوعيّ بين الفضائين والحكايتين يمكن فهم المسرحيّة في بعدها الدلالي إنّها علاقة تبادليّة بين الزمن والتاريخ بين الحاضر والماضي وكأنّ الوجه المخفيّ هو تماما ما أظهره ونوس عبر خفاء الحكاية وستار التاريخ فبغداد تلك التي أضحت في نصّ المغامرة كناية لكلّ البلاد العربيّة ورمزا تاريخيّا لها يومها مثل أمسها لا تبديل ولا تحويل .
1-       كثافة البعد السياسي ومحوريّته في أعمال سعد الله ونوّس.
مسرح التسييس باعتباره مشروعا مسرحيّا حاول من خلاله " ونّوس " إثارة المسألة السياسية بعد الهزيمة وأعاد طرح أسئلة الواقع على نحو مختلف لم تألفه الكتابة المسرحيّة العربيّة قبل الهزيمة وضمن هذا الإطار كانت المسألة السياسيّة ملحّة في حضورها عبر رموز السلطة مكانا ( ديوان الحاكم ) وشخصيّات ( الخليفة والوزير ) وعلى نحو تغريبيّ يحوّل سعد الله ونّوس مسألة السلطة والسياسة من موضوع مسرحي إلى محور يدين الواقع ويكشف مواطن الخلل فيه فالخلل في البنية السياسيّة لا يكمن في فساد السلطة أو قمعها أو استبدادها بل يكمن في عجز الجماهير عن إدراك مواطن الخلل فيها ولذلك كان أسلوب التغريب شكلا من أشكال إعادة مساءلة المألوف السياسي وأسلوبا من أساليب محاكمة الواقع ويعتقد "ونّوس" إنّ إثارة السؤال وتعميق مداه حتى يجتاح كلّ أبعاد الواقع العربي سياسة وثقافة واجتماعا هو المقصد الأساسي من مقاصد مسرح التسييس فهو مسرح يسأل ولا يجيب ومسرح يدين ويحاكم ولا يقترح الحلول.

- صورة السلطة : التآمر والصراع والدسائس ( الوزير والخليفة والحاشية)
- القطيعة بين الحاكم والمحكومين ( الرّجل الثاني: عندما يجلس على العرش الخليفة لا أحد يطلب من أهل بغداد رأيا أو نصيحة)/ ( الوزير: (باحتقار) ومن يبالي بالعامّة ؟لا..هؤلاء لا يثيرون أيّة مخاوف..يكفي أن تلوّح لهم بالعصا حتّى ينمحوا وتبتلعهم ظلمات بيوتهم)
- اتحاد المصالح بين رجال السلطة وبعض الفئات الانتهازية ( التجّار / الولاة / خطيب الجامع(المؤسسة الدينيّة)- الوزير: ..ستكون خطبة الجمعة أدقّ من إبرة الميزان .وسيختار كلّ كلمة بحيث لا يوحيّ بأيّ انحياز).
- صورة الرعيّة ( الجماهير / المحكومون) : السلبيّة / الخوف / الجوع / اللامبالاة / الاستلاب....
- العلاقة بين الراعي والرعيّة : علاقة قطيعة محتكمة إلى ثنائيّة القمع والخوف ( العصا والجوع).
- علاقة السلطة بالمثقّف: اختلفت ملامح المثقّف في مسرحيّة "مغامرة رأس المملوك جابر" فهو الحكواتي باعتباره صوتا خفيّا لسعد الله ونّوس يمتلك المعرفة( رمزيّة الكتاب) ويدرك مسارات التاريخ وشروط تغيّره وعلاقته بالزبائن متردّدة بين بعدين أمّا الأوّل فيتعلّق بالبعد الترفيهي( الحكواتي وسيلة هروب من الواقع وأزماته) وأمّا الثاني فمتّصل بالبعد التعليمي المرتبط أساسا بالمسرح الملحمي ذلك أنّ التأكيد على معالم الأزمة في نهايات الحكايا وإرجاء الحكايات المفرحة (أيّام البطولات والانتصارات/ أيّام الأمان وعزّ الناس وازدهار أحوالها) وعي من الحكواتي بالشروط الموضوعيّة للتغيير الّتي لم تحن لحظتها وقد طغى البعد التعليمي في نهاية المسرحيّة حين خرج الحكواتي عن حياده وخاطب الجمهور ( -الحكواتي: لا أدري ...ربّما ..الأمر يتعلّق بكم.).
- الزّبون الرابع: كانت صوتا مختلفا في مواقفه ولكنّها مواقف ظلّت متردّدة لم تبلغ درجة الفعل أو القدرة على التغيير.
- الرّجل الرّبع: وهو صورة عن المثقّف في إطار الحكاية المضمّنة المعتمدة على المادّة التاريخيّة إطارا دراميّا للمسرحيّة وللرجل الرابع في الحكاية وجهان : الأوّل يتعلّق بعلاقته بالسلطة( استبداد وقمع وسجن + محاولة ثورة وتمرد) : الثاني يتعلّق بعلاقته بالرعيّة ( علاقة قطيعة وحذر وريبة ورفض) فكان صوته منكفئا لم يبلغ درجة الفعل القادر على التغيير لأنّه لم يتمكّن من إرساء مدّ شعبي يتحمّل مسؤوليّة التغيير والثورة (المثقّف المعزول عن طموحات الجماهير ).
- البعد الاجتماعي: في المسرحيّة تلوين طبقي ( الساسة/ الولاة/ التجّار/ رجل الدين/ المماليك/ عامّة الناس) وبالتالي فقد كان الصّراع في بعض وجوهه صراعا طبقيّا ( حلم جابر المملوك بتجاوز حدود الطبقة ودونيّتها نحو المنصب والثروة).
- التأكيد على معاناة الطبقة المهمّشة ( الجوع/ القمع/ الخوف) والتأكيد على سلبيّتها
- واقع اجتماعي بائس يتداخل فيه البعد السياسي بالبعد الاقتصادي .
- البعد الحضاري: يتجلّى هذا البعد أساسا في علاقة العرب بالعجم في إطار استلهام المادّة التاريخيّة ( سقوط بغداد في يد المغول في نهايات الدولة العباسية) وتبدو العلاقة في بعدها الحضاري ذات مظهر إشكاليّ ( استعانة الوزير بالأعداء وتخريب بغداد وتقتيل أهلها) وفتنة بغداد وروعتها في نظر أمراء المغول(-- الملك: يوم مشهود ..بغداد العظيمة ترتخي, وتتمدّد بكل بهائها أمام جيوش ملك العجم ..حلم قديم لمنكتم بن داوود..ولوالده من قبله..) وهذه الموقف من بغداد الحلم القديم والفتنة المتكرّرة يرتدّ احتقارا لأهلها( الملك: سيكونون كالكلاب ..يلعقون أحذيتنا, ويطلبون مرضاتنا..) ويرى سعد الله ونّوس في بحثه عن مظاهر أزمة الواقع العربي أنّها ذات بعدين :
1- مستوى الفساد السياسي والخلل في بنية الواقع الداخلي وسلبيّة الجماهير وعجزها عن التغيير.
2- العدوّ الخارجي المتربّص بالأمّة وقدراتها ( منكتم بن داوود = إيحاء بالعدوّ الصهيوني)
إطلالة الزمن على التاريخ وانفتاح الحاضر على الماضي( قراءة في التضمين الدلالي)
مسرح داخل المسرح كانت مسرحيّة سعد الله ونّوس وحكاية تحتوى أخرى وتخفيها حينا ثمّ تبديها في إطار عمليّة التغريب وكسر الإيهام حتّى يظلّ ذهن المتفرّج متيقّظا لا توهمه الحكاية ولا تستهويه وضمن هذه الرؤية الفنيّة تتبدّى الدلالات فوظيفة المسرح تتجاوز مجرّد التسلية ليتحوّل إلى أداة تغيير وتحريض وتسييس ومن قراءة الواقع العربي في كلّ هزائمه كانت المسرحيّة صرخة مؤلمة ترنو إلى إيقاظ الناس واستفاقتهم ولئن كانت العودة إلى التاريخ تضليلا فنيّا وتغريبا وتبعيدا يمّكن المشاهد من إدراك واقعه وقضاياه (الإغراق في التأريخيّة) فإنّها تظلّ لحظة لم تبرح زمنها فكان التاريخ قناع الحكاية وحجابها وعلى نحو من ترديد الصدى للصوت كانت علاقة الحكايتين واقع عربي مهزوم يرى صورته في مرايا التاريخ فيدرك بؤسها وزيفها وهزائمها ..إنها صورة الجوع والقمع والسجن والخوف والانتهازية والسلبيّة والخيانة وبغداد الأمس هي بغداد اليوم تباع إلى مغول العصر وساستها هم بالأمس يتكررون خيانة وتآمرا واستبدادا وعامّة ناسها لم يغادرهم الخوف ولا الجبن وكذلك مثقّفيها ظلّوا صوتا خافتا كما كانوا وبغداد مدينة كناية عن أمّة تردّدت في تاريخا بين الهزائم وما أشبه الليلة بالبارحة.
 ورغم أنّ مسرحيّة سعد الله كانت مؤلمة على نحو من شعور الزبائن ولكنه ألم يستفزّ مكامن السؤال في الإنسان : لماذا هذا الواقع وهزائمه؟ والسؤال بذرة الاستفاقة وبداية الوعي وذلك أسمى ما يطلبه سعد الله ونّوس.
هل وفّق سعد الله ونوس في تجربنه المسرحيّة؟
كانت تجربة عمّقت من مشاعر الخيبة والفشل بالنسبة لسعد الله ونّوس في بعدها الجماليّ والفكريّ فقد ظلّت رهينة المنع أو رهينة الرؤية المسرحيّة الرسميّة ( فضاء مسرحيّا) كما أنّا لم تغيّر في وظيفة المسرح ولا في طبيعة المتلقّي( غلبة مسرح التهريج بدل المسرح التعليمي)
لقد انتهى سعد الله ونّوس يشكو من الواقع العربي آملا في تغييره عبر الكتابة تنظيرا مسرحيّا أو عملا إبداعيّا لأنّه محكوم بالأمل رغم صور الخراب والغياب
كان لسقوط بغداد زمن المماليك راو يروي فجيعتها فمن لبغداد اليوم ليروي خيانتها؟






الأحد، 5 أبريل 2020

كورونا: الإنسانيّة تحتضر.


كورونا: الإنسانيّة تحتضر.
يبدو خبرا عابرا في الفضائيّات ..قليل منّا سأل عنه وما سيفعله بالناس..البعض سأل عن اسم المدينة البعيدة في الصين..يبدو المكان بعيدا بعيدا والناس في ذلك المكان بعيدون عنّا ...فلا يستحقّون السؤال..
لم تتوقّف حياتنا ساعة توقّفت حياتهم...والفضائيّات فقط تحصي في خبر بارد عدد الموتى...
حملت الأخبار في الفضائّيات حجم الفاجعة وحملت الطائرات والسفن ريحه ..ورحل ّالفيروس " مع الرّاحلين وأخذ له في كل موضع سكنّا..
لم تعد الصين وحدها محاصرة بسرّها ووبائها ..وحملت عواصم العالم ومدنه كثيرا من صفة مدينة"يوهان"الصينيّة..المدينة اللعنة كما في الكتب القديمة..
انتشر فيروس كورونا في شوارع المدن وأزقّتها وقراها كما تنتشر السلع الصينيّة واكتسبت كلّ اللغات بعضا من تعبيرات الفاجعة والصدمة..العبارة الجامعة للإنسانيّة اليوم هي عبارة "كورونا" كأنّها ترنيمة النهاية.
تحدّث السّاسة ..والسّاسة يحسنون الكلام..كلامهم كشف رعبا خفيّا حدّثت به ملامح وحركات فضحت طمأنينة زائفة..الناس في البلدان لا يسمعون الكلام وإنّما يحسنون النظر في العيون..كلام العيون مخيف كأنّه البكاء..
التقارير الإخبارية بلاغات تعزية عالميّة وما يقوله المسؤولون الذين ارتقى كورونا إلى مناصبهم يشبه المرثيّات ..الإنسان معرّفا بالألف واللام يحارب شبحا أو قدرا أو غضبا أو غيبا وفي هذه المعركة الإنسانيّة الخاسرة واجه الإنسان أوهامه وضعفه وزيفه.
في تلك الخلوة في ذلك الركن بعيدا عن الناس يواجه كلّ منا ذاته يرسم جغرافيا الخوف ويعيد توزيع مشاعره وفق لعبة الإمكانات القاتلة ...يمنعه خوفه من ممارسة عاداته العاطفيّة يبعد طفله وطفله يلاحقه كما كان يصنع في ومن الرّخاء والحياة ..يريد أن يضمّه ثمّ يحدّثه عن كورونا وما فعلت في الناس..
يرفع الهاتف ويسأل عن أهله في تلك المدينة أو القرية وقبل الجواب تعصف به الظنون وتعصر قلبه ووجدانه...وأحيانا يجمح به الخيال فيذرف الدمع يخشى أن يكون واقعا..
دائما ما يكون الموت عند الناس واقعا مستبعدا وهذا هو سرّ الحياة..في هذه الأيام إمكانات النهاية في تفاصيل الحياة العادية اليومية في المصافحة وغيرها ..أسوأ المشاعر أن تحاصرك الظنون المنتهية باحتمالية الموت كأنّك تقبض على الجمر مكرها..
لا يمكن لهذا العالم أن يظهر شجاعته ..فعدوّه قاتل خفيّ ولا يمكن له أن ينكر هزيمته فأعداد الموتى تكشف حجم الفاجعة...
بعيدا عن انتصارات كورونا تتشكّل محاور أخرى للهزائم يواجه فيها الإنسان معرّفا بالألف واللام قيما وأخلاقا وسياسة وفلسفة وجود..

  شعريّة النصّ الحماسي عند أبي تمام والمتنبّي وابن هانئ   ليست   الحماسة غرضا شعريا قائما بذاته ضمن أغراض الشعر العربي المعروفة   التقل...