حركة النهضة :الخيارات
المتناقضة ( سؤال الديمقراطيّة والانتخابات)
المعارك المؤجّلة والهزائم
المخيفة
أعتقد أنّ حزب حركة النهضة
التونسيّة يعيش أزمة حقيقية ستشمل آثارها المسألة الانتخابية ( انتخابات 2019)
والمسألة التنظيميّة الهيكليّة للحزب.
كانت دعوة القواعد لانتخاب
أعضاء القائمات الانتخابية لتشريعيّة 2019 مجازفة ومغامرة لم يدرك الداعون
لانتهاجها ضررها وأثرها على التماسك التنظيمي للحركة حيث إنّ الاحتفاء بالشكل
الديمقراطي الذي انتهجته النهضة "داخليا" أخفى مخاوف كثير من الداعمين لها ولئن كان هذا
"الشكل الديمقراطي" الذي تحرص الحركة على إظهاره شكلا دعائيا ذا قيمة
تواصليّة فإنّه كان عاملا مساهما في كشف التناقضات العميقة التي حاولت إخفاءها منذ
الحصول على التأشيرة الرسمية مارس 2011.
عشرون عاما من التهجير
والقمع والظلم والمطاردة فعلت فعلها سياسيا وتنظيميا في الحركة التي وجدت نفسها في
أتون الحكم بعيد انتخابات أكتوبر 2011 ولم يجد قادتها الوقت للنظر في الشقوق
الدقيقة التي لا ترى في البناء التنظيمي وكان الضغط الداخلي والإقليمي عنصرا فاعلا
في تأجيل النظر في المستويات الهيكليّة الداخليّة للحزب وكان "
الاستقرار" التنظيمي للحركة متناسبا مع قوّة الضغط السياسي داخليّا وإقليميا
خاصّة بعد الانقلاب الدموي في مصر 2013.
الوعاء الفكري والإيديولوجي
للحركة ذات المرجعيّة الإسلامية كان ضامنا إلى حدّ كبير لذلك التماسك التنظيمي
الذي ميّزها في ظلّ تلك المشهديّة السيّاسيّة التي غلبت عليها فوضى التشكّلات
والانشقاقات والصراعات غير أنّ نهج الانفتاح الكلّي الذي تجلّى في إعداد القائمات
للانتخابات البلديّة بدأ في فرز نتائجه مع دعوة منخرطي الحركة وهياكلها لاختيار
أعضاء القائمات الانتخابية عبر آليّة الانتخاب المباشر.
في خفايا تلك المؤتمرات
الانتخابيّة أكثر من علامة تحوّل قد تؤول
إلى تغيير جذري في صورة الحركة وهيكلها التنظيمي الراكد والمستقر الذي حفظته النهضة
منذ تجربة التسعينات وحافظت من خلاله على كيانها السياسي وتماسكها الداخلي وبنائها
الهيكلي المتين.
في خفايا تلك المؤتمرات
تحالفات وصفقات انتخابية وقائمات متنافسة استوحت كثيرا من آليات الدعاية والتحشيد
من أدبيات العمل النقابي في خوض المؤتمرات
النقابية وكثير من أشكال العمل السياسي البعيد عمّا ترّبت عليه الأجيال الأولى
المحكومة بأدبيات العمل الإسلامي وفي جوهرها مبادئ " الأخوّة".
في خفايا تلك المؤتمرات ظهر
مبدأ المنافسة السياسيّة بديلا لمبدأ " الأخوّة" وهو مبدأ تنظيمي جوهري
وأصيل في فكر التيّارات والأحزاب الإسلاميّة ومن خلاله تتلاشى مغريات السلطة
والحكم غير أنّ النزوع للسلطة والحكم
والنفوذ كان ظاهرا بيّنا في تلك المؤتمرات.
منازع جهويّة وعشائريّة كانت
عنوانا من عناوين الدعاية للمترشحين وفي كلّ ذلك كانت ظلال المكتب التنفيذي
وامتداداته الجهويّة والمحليّة في المكاتب والمجالس مخيّمة على المؤتمرات
الانتخابية وفي خفايا الحديث مجموعتان محمّلتان برؤيتين مختلفتين في منهج العمل السياسي
ومقاصده وهما مجموعة الشيخ راشد الغنوشي العائد من الغرب وأفكاره وتجاربه ومجموعة
عبد الحميد الجلاصي المعبّر عن مظلوميّة الحركة في سنين المحنة والسجن.
في خفايا الحديث مخاوف من
انحراف منهجي وقيمي قد يصيب الحركة في مقتل تنظيميا وسياسيا ومخاوف من تصدّعات قد
تغذيها شهوة السلطة والحكم وهي شهوة مغرية ومدمّرة وفي خفايا الحديث كذلك استسلام تبريري لضرورة الفصل
بين "دعويّة" النشأة و"سياسيّة" المسار وللسياسة في فقهها
ضرورات ومحظورات مباحة ونتائج بغير القصد وتبريرات بغير الخطاب أو الشعار.
ما عدّه البعض "
انقلابا" عن نتائج تلك المؤتمرات الانتخابيّة عمّق الخلاف وأظهر كثيرا من
خفايا " التدافع" الداخلي صلب الهيكل التنظيمي للحزب وأشار في غير
مواربة إلى سطوة خطّ الشيخ راشد الغنوشي ضمن مؤثّرات القرار وصناعته صلب الهياكل
التنفيذية أو حتى الشوريّة كما أشار إلى سعي الحركة إلى " تصعيد" رؤية
مخصوصة اقترنت بخيارات الشيخ راشد الغنوشي وتحالفاته وتوافقاته تصعيدا زجريا خالف
فيه كل الشعارات والخطابات التي تتباهى بمنهج " الدمقرطة" داخل الهياكل
التنظيمية للحركة.
قد تبدو التعديلات مطلبا
سياسيا محكوما بإكراهات داخليّة وخارجيّة ولذلك كان السير داخل الحركة في غير
اتجاه مجموعة الشيخ راشد الغنوشي محكوما بالانتكاس غير أنّ ارتدادات هذا
"الزلزال" الذي أحدثته تعديلات المكتب التنفيذي الوطني ستبقى مؤثّرة حتى
ما بعد انتخابات أكتوبر 2019 وما غنمته الحركة في البلديات قد تذهبه في التشريعية.
أرى أنّ الشيخ راشد الغنوشي
وازن بين متطلبات المرحلة سياسيا وما فيها من ضغوط داخلية وإقليمية وما يتطلبه
الحزب هيكليا وتنظيميا وكان انحيازه للمعطى السياسي المملوء ضغوطا وإكراهات.
التعديلات الموجعة التي نسفت
نتائج المؤتمرات الانتخابية نسفا ستؤثر انتخابيا على الحركة وستفقدها كثيرا من
رصيدها ومناصريها وستهوي بفكرة "الديمقراطيّة " كمنهج وخيار انتهجته
الحركة في مهوى سحيق وستعيد للمناصرين والمناوئين صورة الإمام الفقيه المؤتمن على
الحركة وتاريخها ومستقبلها وسترسّخ في ذهن الدارسين لتجربة " الإسلام
الديمقراطي" حتمية التنافر بينهما.
الانتخابات التشريعية
المقررة في أكتوبر 2019 والخطاب التحريضي من خصوم السياسة والفكر سيمدّ الحزب ببعض
من استقرار يحتاجه في هذه المرحلة أمّا بعيد الانتخابات فسنشهد حراكا كبيرا سيغيّر
كثيرا من صورة الحركة وخياراتها.
من الصعب أن تكون "
ديمقراطيا" ومستبدّا في آن ومن الصعب أن تكون عقلانيا عبر منهجية العقل
التبريري وهو دائما عقل يقوم على المغالطة.
لم يكن حزب حركة النهضة
مضطرا لخوض هذه التجربة" الديمقراطيّة" في تشكيل القائمات الانتخابية
ولم يكن مضطرا للإجابة عن سؤال الديمقراطيّة داخل الهياكل الحزبيّة لأنّ سؤال الديمقراطيّة
لم يخترق بعد جدار الوعي العربي المحكوم بثقافة الولاء والطاعة والزعيم الواحد
والأوحد وهي ثقافة تشرّب من معينها رؤساء الدول وملوكها ورؤساء الأحزاب والعشائر
والقبائل والقرى والدشر والمنظمات والجمعيات وزعماؤها.
محمد المولدي الداودي
تونس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق