الجمعة، 12 ديسمبر 2014

أيّها الشيخ... لا فتوى حتى تزهر أحلامنا ....ولا حياد

أيّها الشيخ... لا فتوى حتى تزهر أحلامنا ....ولا حياد 
تتدافع الأحداث في وطني تدافعا عجيبا وتتسارع النخب التي خططت لمسيرة الدم في رفع شعاراتها على نحو مكشوف ومفضوح وتتهاوى أقنعة الحداثيين لتفصح عن وجوه انقلابيّة تؤمن بالعنف والفوضى ويثبت الإسلاميون والعقلاء من المتنوّرين الذين عانوا محنة الطغيان والقهر أنّهم الأشدّ نضجا في فضاء السياسة والرأي وأنّهم الأكثر وطنيّة وصدقا في ميادين المزايدة والمتاجرة:
لذلك أيّها الشعب التونسي العظيم لا حياد حين يغامر المغامرون بالشعب والوطن ولا حياد حين تقود شهوة السلطة العمياء البعض ممن أصابهم العماء الايديلوجي نحو الدفع بالوطن إلى الفوضى والعنف والدم. 
لا حياد ولا مكان للمترددين في معركة الحسم والنصر.. الانتصار للشعب وقيمه والوطن ودينه والإنسان وكرامته والمواطن وأحلامه.
أيّها الشعب التونسي العظيم: سنميز الحقّ من الباطل والصدق من النفاق ولنكن مع الحق حيث كان ولا تغشّنا شعارات المتاجرين بدمنا وآلامنا القابعين في مكاتبهم ومجالسهم ينتظرون الحكم والسلطة من بين ركام الموتى وصراخ الجرحى . 
أيّها الشعب التونسي العظيم: المكيدة عظيمة والوقيعة كبيرة فلنكن على حذر ولنكشف المتآمرين على الوطن والشعب.
نرجو من الله العليّ القدير أن يجمع كلّ الشرفاء من التونسيين على كلمة سواء وأن يلهمهم التوفيق إلى كلّ خير وأن يسدّد رأيهم إلى ما فيه خير البلاد والعباد وأن يعصمنا من الفتنة وآفاتها وأن يعصم دماءنا ويحمي أعراضنا.
أيّها الشعب التونسي العظيم: سنكون مع الحق والصدق والوطن ولا حياد وإن أرادوا الشوارع وما كنّا نريد لغتها فليكن فنحن لها ...سنكون في الشوارع والأحياء والمدن والقرى حرّاسا للوطن ودفاعا عن وصيّة الشهداء وسنقول لكلّ المتآمرين " نحن نسيج الأرض ونبتها الخالص .."
أيّها الشعب التونسي العظيم: احفظوا أمانة الشهداء وكونوا على العهد والوعد ..ولنردّد جميعا لاحياد. 
سأنتخب الدكتور محمد المنصف المرزوقي رئيسا للبلاد ..ولا حياد ..وليقل الشيخ رأيه وليمض في مسالك السياسة المتعبة المنهكة الضالّة والمضلّة ... فحلمنا لا ينتظر الفتوى أيّها الشيخ .. لا حياد حين نستعيد صرخة الوجع في كلّ موضع من هذا الوطن وفي كلّ موضع من جسد الشرفاء الذين هجّروا وشرّدوا وسجنوا وسحلوا .. أحلامنا لا تنتظر الفتوى حتى تزهر في وجدان كل الأحرار الذين عاهدوا الشهداء وحفظوا وصاياهم والذين أقسموا على السير في نفس الطريق طريق الثورة والنصر .
لا حياد حين تعلو صرخة الأمّ الثكلى في القصرين وتالة وسيدي بوزيد وأحياء العاصمة وفي الجنوب كلّ الجنوب.
لا حياد حين تتراءى لنا سنوات القهر والجمر والظلم والموت .
أيّها الشيخ ...حكمتك التي أهديتها إلى الجلاّد لن تؤخّر أحلامنا ومواقفك التي أعادت سوط العذاب إلى الطغاة لن تمنعنا من مواصلة النضال ...سنمضي ...أرواحنا على الأكف ...أحلامنا تنير السبيل.. ونحن المنتصرون.
محمد المولدي الداودي القصرين






الثلاثاء، 5 أغسطس 2014

غزّة ...المقاومة ...غزّة .....الكاشفة

غزّة ...المقاومة ...غزّة .....الكاشفة

سقطت كلّ الأقنعة ..أقنعة المدنيّة والحداثة وحقوق الإنسان والحريّات ...سقطت كلّ الأقنعة ...أقنعة المقاومة والممانعة وانكشفت كلّ العورات ..عورات الساسة والحقوقيين والمثقفين والإعلاميين وكلّ الأدعياء.
غزّة قطعة من الأرض والجنّة وأرض من الطين والدم ..هي الكاشفة.
في العدوان على غزّة تهاوت جميع الشعارات التي ظلّ بها رافعوها على سلطة الألم والدم ...  شعارات المقاومة التي رفعها كلّ الجلاّدين والطغاة ..
في العدوان على غزّة سقطت ورقة التوت التي بها تستّروا وتقنّعوا منذ سبعين عاما ويزيد...أذاقوا شعوبهم الويلات وجوّعوهم السنين بدعوى مواجهة الكيان الصهيوني ... ثمّ اكتشفت الشعوب المقهورة أنّ الكيان الصهيوني لم يكن يوما عدوّا ..العدوّ لهؤلاء الطغاة هو الشعب التائق للحق والعدل وكل الثائرين والمقاومين المخلصين ..
تحالف كلّ أدعياء المدنيّة والحداثة مع العسكر وبقايا أنظمة الطغيان لأنّ رياح الديمقراطيّة التي طالما تغنّوا بعجائبها وأسرارها لم تجر بما تشتهي أنفسهم وجاءت بمن يرونهم خصوما ...واكتشفت شعوبهم المقهورة أن أحاديثهم تلك محض أباطيل وأنّهم , أدعياء الحداثة , هم الحليف الموضوعي لأنظمة القمع والقتل.
في مصر صفّق هؤلاء الحداثيّون جدّا للعسكر المنقلب وصفّق هؤلاء الحقوقيون جدّا لمشهد الدماء تسفك في كل ميادين مصر وقالوا قولهم في " الأمن القومي " وحدّثونا حديثهم عن المؤامرة والعمالة ...ثمّ اكتشفت شعوبهم المقهورة أنّ هؤلاء الحداثيين جدا والحقوقيين جدا هم الحليف الموضوعي لأنظمة الممالك والسلاطين ..حيث القبيلة والغنيمة .
وفي تونس دعا هؤلاء الحداثيون جدّا إلى استنساخ نسخة الانقلاب ودعوا جهرا وسرّا المؤسسة العسكريّة إلى الحكم وقالوا في الشعب كلّ الأقاويل ...
وفي ليبيا صنع طاغية مصر "عسكريّا مغامرا" ورمى به إلى صحراء ليبيا ودعا له الغرب والعربان وجنّد له الجند نكاية في ثورة وليدة قدّمت من دماء أبناء ليبيا ما يفوق العشرين ألف .. وما تزال المؤامرة تصنع في قصور أمراء الإمارات وملاهيها وفي قصور ملوك السعوديّة وجنرالات الجزائر وطغاة مصر ومنافقي الغرب وشياطينه..
في الإعلام التونسي لم نر مشاهد الغاضبين في غزّة وفي كل موضع حرّ في هذه الأرض كما كنّا نرى في اعتصام الرحيل ومظاهرات تركيا المصنوعة في دوائر المخابرات والإمارات ومظاهرات الانقلاب في مصر المصنوعة بأيدي الجيش والأمن.
في الإعلام التونسي لم نسمع حديثا عن الجرائم الصهيونيّة ولم نسمع حديثا عن المقاومة والمقاومين ...فقط الحديث عن الإرهاب والإرهابيين ..الصناعة المخابراتيّة الفرنسيّة الجزائريّة والإماراتيّة السوريّة ..
في تونس كما مصر انكفأ الحديث عن الثورة وأهدافها وتمكّن المتربّصون بالعباد والبلاد من صنع تلك الثنائيّة العجيبة التي عاشت من خلالها أنظمة الطغيان ما عاشت من سنين القهر والظلم... الأمن أو الحريّة.
لم نسمع أصوات الحقوقيين والنقابيين ولم نقرأ بياناتهم المندّدة بالعدوان على غزّة لأنّ المقاوم في غزّة ليس من نفس اللون والهوى ولأنّ الحديث عن بطولات المقاومة في غزّة قد يفيد ضمنا الحديث عن فصيل سياسي وفكري لا يريدون له الحياة.
غزّة اليوم هي العنوان الحقيقي لمعركة الأمّة مع الطغاة والعملاء والمزيّفين من أدعياء الحداثة والمقاومة ..غزّة اليوم كشفت أسرار المؤامرة منذ النكبة حتى اليوم وسطّرت التاريخ الحقيقي لمحنة فلسطين والأمّة ..كانوا جميعا من العملاء وكانوا جميعا من المتاجرين بالقضيّة ودماء شعوبهم..غزّة اليوم أسقطت اليسار العربي ومقولاته الثوريّة وأسقطت القوميين العرب وشعارات المقاومة التي أبادوا بها شعوبهم وأسقطت كل الأدعياء من حداثيين وليبراليين.
العدوان على غزّة له ما بعده والحقائق التي عرّتها المقاومة ستكون الخطوة الأولى في معركة الوعي والبناء التي تحتاجها الأمّة وسترفع هذه الشعوب المقهورة حجب الزيف والسراب وستسقي كلّ شعارات الكرامة والحريّة والأرض بدماء المقامين والثائرين..
معركة غزّة هي نفس المعركة في كل قطر عربي من المحيط إلى الخليج..والانتصار في غزّة سيؤول حتما إلى انتصار الأمّة..
سينتصر الثوّار والمقاومون وسيتهاوى كلّ الطغاة وحلفاؤهم من نخب سياسيّة وفكريّة وحقوقيّة ونقابيّة وإعلاميّة .
لقد رسمت غزّة المقاومة معالم الطريق وفتحت مسالك الحريّة الحقيقيّة والكرامة وبيّنت طرائق بناء الوعي والأمّة بعيدا عن أشكال الوعي المضّلل أو البناء الزائف ..في غزّة التحم الجهد المقاوم بالأرض والإنسان ..التحم بالأرض مشروعا للتحرّر والصمود والثبات والهويّة والتحم بالإنسان ثقافة وفكرا وقدرة على البذل والصبر ..فالكلّ مقاوم في غزّة والكل مشروع للمقاومة ..إنّ التحام الشعب مع الفكرة وتبنيه للهدف الأسمى للمشروع هو الدرس المستفاد من غزّة وهذا هو ما فشل فيه الثوّار في دول الربيع العربي ( تحويل شعارات الثورة وأهدافها إلى عمق شعبي يتبناها ويدافع عنها ) . وفي غزّة كذلك صارع المقاوم ضيق الجهد وعسر المهمة وشدّة البلوى والابتلاء وقسوة المحنة وعمق المؤامرة وتمكّن من صنع المفاجأة لأنّ الإيمان بالمشروع والثقة في الظهير والاطمئنان للناس هو الدافع والملهم فكانت المعجزات في غزّة المحاصرة .
العدوان الصهيوني على غزّة كان بمال عربي وصمت عربي ونفاق غربي والدماء الطاهرة التي تسيل في كل شوارع غزّة ستكون اللعنة التي ستصيب كل هؤلاء العملاء والخونة ..والمعركة اليوم معركة حاسمة فاصلة بين إرادتين , إرادة الشعوب التي أسقطت الظلمة وفتحت مسالك الحريّة بالدماء والدموع وإرادة الظلمة الذين تقنّعوا بكلّ قناع ...الوجوه المتستّرة انكشفت مرايا الطغيان واحدة وإن اختلفت ألوانها فأمير أو ملك هو حتما وجه لعسكري قاتل أو حداثيّ صامت عن الجريمة أو إعلامي محرّض أو حقوقي جبان..
المعركة اليوم في فصولها الأخيرة أيّها الثوّار المقاومون ...ولا حياد فإمّا حياة تسرّ الصديق وإمّا ممات يغيظ العدى ...لا حياد اليوم في معركة الحق والعدل والحريّة والكرامة ولن نرضى حتما بالعودة إلى القيود ... المعركة اليوم فاصلة أيّها الثوّار ولا رجوع ...بدأت معالم النصر في غزّة وليبيا وستنتهي في سوريا ومصر وكلّ قطر عربي ..
المعركة فاصلة ..ولا حياد.
محمد المولدي الداودي









السبت، 3 مايو 2014

أطلق رصاصك









إلى كل الصامدين في مصر وسوريا والعراق
إلى كل المجاهدين في فلسطين
أطلق رصاصك
زهرة الفردوس....تنتظر دمي
فأطلق رصاصك..
أطلق...فإنّي لا أخافك
القلب نافذة الجنان ..وكذا فمي
والصدر من غضب ..والجسم من لهب
والرّوح فيض الأكرم
فأطلق رصاصك
إن مضى خطوي في مسارات الكرامة والخلود
أو ذوي عشقي في مقامات التحدّي والصمود
فأطلق رصاصك
فليس يقتلني الرّدى ..ولا وجع السجون والقيود
فأطلق رصاصك
خطوي في المدينة يكتب أجلي
ويعيد رسم معالم الأوطان في بلد الطغاة
ويعيد شدو أغنية الحفاة والعراة
ويعيد نسج خرافة الإنسان في بلد العساكر والجنود
فأطلق رصاصك
أطلق ..فإنّي لا أخافك

محمد المولدي الداودي

الأربعاء، 23 أبريل 2014

تراجيديا المشهد المصري ( ابن لادن حيّ ).



تراجيديا المشهد المصري ( ابن لادن حيّ ).
على نحو من مسارات التراجيديا الإغريقية تطوّر المشهد المصري ما بعد ثورة 25 جانفي 2011 ليعيد الوصل بين فكرة  التاريخ وفكرة التصوّر الأدبي للفعل الإنساني ومساراته .لقد كانت شخصيّة الرئيس محمد مرسي صورة للبطل التراجيدي في المسرح الإغريقي كما كان البناء التراجيدي للثورة المصريّة محاكيا للفعل الدرامي وتحوّلاته وتطوّراته انطلاقا من مستوى العرض وانتهاء بالنهاية الفاجعة ولئن حاولنا رصد هذا العمق الأدبي لمرحلة تاريخيّة ملهمة للمؤرّخين والأدباء فإنّنا سننأى قليلا عن استعارة آليّات التحليل الأدبي لحوادث الساحة المصريّة وأحداثها لنبحث في ثنايا السياسة ومدركاتها لعلّنا ندرك فنونها وشروطها في بلاد العربان.
لم تتفق الثورة التونسيّة والثورة المصريّة مع تعريفات الثورة وبنائها المفهومي في أبعاده التاريخيّة والفلسفيّة والسياسيّة وظلّت عصيّة على التحديد الاصطلاحي فهي أحيانا انتفاضة شعبيّة وهي حركة تمرّد شعبي وهي ثورة عند بعض المتباهين بقدرة الشعوب المستكينة على التغيير الاجتماعي والسياسي غير أنّ رصد المسارات وأشكال الفعل الثوري يسقط كثيرا من معالم الثورة وأشكالها ويضعها في منزلة بين المنزلتين : منزلة الانتفاضة ومنزلة الثورة .فلقد أقصت هذه الثورات ( باستثناء الثورة الليبيّة والسوريّة وهما الأقرب إلى مفهوم الثورة وهما الأقدر على النجاح) رأس النظام في الرئيس ابن علي ومبارك ولكنّها أبقت على الأساس العميق لهذه الأنظمة كالمؤسسة الأمنيّة والعسكريّة والقضاء والإعلام والفاعلين الإداريين والماليين والمنظمات المهنيّة والمدنيّة وبذلك توهّم الفاعلون " الثوريون" أنّهم حققوا فعلا ثوريّا لا تشوبه شائبة وأخذتهم نشوة الانتصار الزائف إلى البحث عن معالم سلطة ثوريّة سرعان ما لاحت مظاهر سقوطها وتفكّكها بعد أن خرج ذلك العمق المخفي لتلك الأنظمة من صدمة " السقوط" واستعاد مبادرة الفعل السياسي مستعينا بقدراته في التوظيف السياسي لارتباك " الثوّار" وتعثّر مسار الثورة وإخفقاته.
لم تسقط العناصر الأساسيّة لبنية الدولة العميقة وظلّت قادرة على التأثير وتحريف المفاهيم الثوريّة بل إنّها نجحت في تحويل الثورة من فعل بطولي يستحقّ التمجيد إلى فعل مستهجن وملعون ولذلك ظهرت حركات في تونس ومصر لا تتردّد في الكشف عن انتمائها إلى تلك الأنظمة التي توهّم البعض سقوطها وتؤكّد أحقية دورها في البناء السياسي لمرحلة ما بعد الثورة ففقدت الثورة قدرتها على الدفع الذاتي أي ذلك الوجدان الثوري الذي حرّك المظاهرات والثورة التي تفقد وجدانها الثوري حتما ستؤول إلى الموت.
لم تتمكّن الثورة في تونس ومصر من بناء أساس فكريّ يحدّد ملامحها وتصوراتها ورؤاها لمرحلة ما بعد الثورة بل إنّها ظلّت منشدّة في رسم مساراتها إلى أفعال عفويّة وارتجاليّة تبدع شعارها وسلوكها الثوري من صميم المقام والسياق ( اعتصام القصبة 1 و2) ولم تتمكّن الثورات من "صناعة " الرمز الذي له القدرة على الدفع بها إلى تخوم ثوريّة تتفق مع ذلك الطموح الشعبي ويحرسها من شراسة الدولة العميقة .لقد كانت الثورات يتيمة تتدافعها رياح سموم وتلقي بها في مهاوي الانتهازيّة والارتجاليّة فتحوّلت إلى كابوس يخيف عموم الشعب الذي لم يكن شريكا فعليّا في الثورتين.
لم يكن الوقت كافيا لبناء فكر ثوري وفلسفة ثوريّة لها حاضنة شعبيّة تمكنها من صناعة "الرمز" والفكر والشعار والشعب القادر على حراسة الثورة وحمايتها واختط " الثوّار" مسارات تناست بديهيّات الثورة وسارعت في الانتقال من مستوى الثورة إلى مستوى الدولة التي لم تكن محلّ اتفاق بين الفرقاء والشركاء فيها ولذلك انجذبت الثورة إلى تجاذبات الفكر والسياسة وصارت "سلعة غالية " في ميادين المتاجرة السياسيّة وفنون الاحتكار والاتجار وأضحت معالم ضياعها جليّة ظاهرة.
أفرزت الانتخابات التي اختارها " الثوّار" مسارا مناسبا لتحقيق أهداف الثورة فوز الأحزاب المنتسبة فكريّا إلى ما يسمّى بالإسلام السياسي وبذلك أكّدت مستوى الحضور الشعبي لهذه الحركات والتيّارات وكان الاختيار الشعبي مدفوعا في كثير من مواطنه بحالة التعاطف والتضامن الوجداني الذي تعلّق بذلك القمع الذي عاناه المنتسبون للحركات الإسلامية على امتداد سنين الجمر والقهر ولكنّ هذا الاختيار حرّك الآلة الخفيّة الفاعلة في بنية الدولة العميقة وألهمها ضرورة العمل لأنّ المعركة مع الإسلاميين هي بالأساس معركة وجود فكيف يرضى من ربّي على كره الإسلاميين يرضى بهم حكّاما وسادة فالعقيدة العسكريّة والأمنيّة في أغلب البلاد العربيّة تقوم على محاربة هؤلاء الناس باعتبارهم نظيرا للأعداء .
لم يكن الإسلاميون في أغلب بلاد العربان شركاء في الوطن بل لقد كانوا معزولين وممنوعين من الإدارة والعسكر والأمن والوظائف العموميّة والمنظمات المدنيّة لقد كانوا جزءا من الشعب تختبر فيه السلطة قدرتها على القمع والقتل .لقد كان الإسلاميون التهمة التي يتجنبها المسالمون من بسطاء الشعب و" العيّاشة " والمسايرين للحيطان في بلاد العربان والمكتفين بالسعي وراء "الخبزة " دون سؤال أو مقال. ومن هذا الإرث الدامي من الصراع بين السلطة والفكرة الإسلامية وجد الإسلاميون أنفسهم بعد رياح الثورة في مقام السلطة وفي سياق سياسي واقتصادي واجتماعي تحرّكة الآلة اللعينة للدولة العميقة .لقد كانوا عنصرا نشازا ومقيتا يترصّده الكلّ الذي تربّى على قتاله وعدائه. في هذا الإطار كان التناقض بيّنا بين حكم الإسلاميين ومؤسسات الدولة في حدّ ذاتها وتمكّن الفاعلون في الدولة العميقة من إعادة تحريف الشعار الثوري ليتحوّل إلى مطالب يوميّة تؤمن بقدرة الجوعى على الثورة ولذلك ارتفعت الأسعار وزاد الاحتكار وضيّق على الناس في أرزاقهم وتحرّك الناس مدفوعين بإعلام مازال يحتفظ بولائه لأصحاب النعم من أصحاب المال والسياسة.لقد تمكنوا من تحويل الصراع السياسي المشروع إلى صراع اجتماعي مقنّع بأقنعة المطالب الثوريّة فكانت موجات الاعتصامات والإضرابات واشتدّت مظاهر العداء الإيديولوجي للإسلاميين وتحالف الكل للقضاء على فكرة المشروع الإسلامي باعتباره بديلا ممكنا للحكم في فضاء الحريّة.
أسقط العسكر الرئيس المنتخب محمد مرسي وحاول أن يخفي انقلابه بشعارات استقاها من مسارات الثورة واستفاد من القدرة على التجييش والتزييف وأخرج الانقلاب على نحو من الصناعة الهليوديّة لأفلام الإثارة وحضر الإعلام باعتباره شريكا في الانقلاب واهتزّت أساسيّات الثورة وتحوّل المشهد المصري إلى ما يشبه المشهد المسرحي الذي تتعاضد فيه كل مدارس المسرح على اختلافها.
سقطت كل الأقنعة التي حاول من خلالها الغرب والنظام العالمي الجديد إخفاء عداءه للمشروع الإسلامي وكان شريكا في المؤامرة ولكن تناسى الكل من العسكر والغرب وسلاطين الخليج المرعوبين من إمكانيّة عدوى الثورات فحاولوا وأدها في المهد وفي أرضها تناسى كل هؤلاء أنّ الفكرة روح سارية في أعماق الوجود لن يقتلها الرصاص ولن تحاصرها السجون والمعتقلات وسيذكر التاريخ الدكتور محمد مرسي بطلا شجاعا وان كان غريبا في قومه غربة الأنبياء والعلماء.
لقد قتل الانقلاب إمكانيّة التغيير السلمي للسلطة والحكم وأحي وبشدّة الفكر الجهادي الذي رأى أنّ هذه الأنظمة لن تتغيّر إلا باقتلاعها من الأصل وضريبة ذلك الدم ..شكرا عسكر مصر شكرا أيّها الانقلابيون شكرا أيّها الغرب المنافق فلقد أحييت في كثير من شباب العرب والمسلمين روح الشيخ ابن لادن ..شكرا أيّها الأغبياء فابن لادن حيّ.
محمد المولدي الداودي
أستاذ: تونس









الثلاثاء، 21 يناير 2014

أنا الجاني؟


  • أنا الجاني؟

    الانتظار الأخير في محطّة سائره
    حقيبتك التي لم تودّعك منذ سنين
    تعيد إليك ابتسامتك الساذجه
    وتلهو مع الآخرين ..لعبة الانتظار
    الصمت الذائب فوق الجرح
    يرسم مسارات الرحلة
    ويكتب عناوين الأسفار
    السائرون في النوايا...
    العابثون بمسار الغيم والريح
    يفتحون نوافذ الفجر ..ويكتبون بسملة الرحيل.
    .....
    الجسد المطعون يحصي جراحه
    ويعلن ..بعد حين ..سبب الوفاة
    الشهود يقتحمون مسالك اليقين
    ويقولون : هذا هو القاتل والمقتول
    تترنّح الساعة الحائطيّة من على أعلى الجدار
    قريبا من شعار المحكمة
    ويتثاءب ..الرئيس ..بعيدا عن شهوة الانتظار
    ثمّ يلتقط أنفاس الشهادة والشهود
    " هذا هو القاتل والمقتول "
    ثمّ يسأل : من الجاني ؟
    ....
    الدم السائل كالحبر يكتب شهادة الوفاة
    في صفحة بيضاء من تراب
    والدخان المتصاعد من جثث الموتى ..يرسم شكل الطغاة
    هذا هو الجاني
    وأنت ..أيّها المبعوث من حبر الكتابة
    أنت القاتل والمقتول.
    الزفير الأخير ..يفتح جرح السؤال
    ويتلو أسماء الشهود
    ثمّ يقرأ الفاتحة
    ويعلو من بعيد ...نداء الغياب
    " رفعت الجلسة "
    ....

    محمد المولدي الداودي

  شعريّة النصّ الحماسي عند أبي تمام والمتنبّي وابن هانئ   ليست   الحماسة غرضا شعريا قائما بذاته ضمن أغراض الشعر العربي المعروفة   التقل...