الأحد، 16 مايو 2010

متاهة المعنى وضياع الكلمات




متاهة المعنى وضياع الكلمات


- الآن نفتح أبواب الصمت , ونفكّ أسر الكلمات, الآن نعيد تشغيل الذاكرة ثمّ تطهيرها من ركام الزيف والزائفين.

- أغرب منك كلماتك, كم كنت تغرق في الهذيان , هل كنت تدرك بأنّك صرت ذكرى يستنكرها الكلّ , يتبرؤون منك , كأنّك الوباء يلاحقهم فيهربون...عد إلى صمتك , هوايتك القديمة ودع الآخرين لضجيج الحياة الصّاخبة.

أفزعته كلماتي فأدار عينيه نحوي يتأمّل وجهي ..وأخذ يتعرّف ملامحي لعلّه يجد بعض المزاح في تراسيمه ..ولكنّه ازداد يقينا من أنّ الوجه أقسى من الصوت المبحوح الذّي ينبعث من حنجرة أتعبها التدخين وزيف الكلمات.

- كأنّي لا أعرفك ..كأنّك هم ..الآخرون, استعرت صوتهم ..تعابيرهم , وحتّى ملامح الوجه المغرقة في اليقينيّة والاستعلاء..لقد بدأت أشعر برائحة النتن ..نتن الأشياء المصطنعة.

لا شيء مصطنع غير الّذي حاصرت به نفسك ..أوهامك سيّدي.

- ما أشدّ خيانتك.. أحلامنا الّتي عشنا لها من دمنا نمت ..من كلّ هذا العمر ..من صراخنا الّذي اخترق أفاق النّائمين فأزعجهم ..فحاصرونا ..ولكنّنا كنّا اليقظة فأيقظناهم..كلّ أحلامنا صارت يقينا ..الأرض تشهد بذلك والسّماء ..أيّها اللّصّ الخائن ..صمتك الّذي دام طويلا امتلأ من صوتهم وصار تردادا لهم .

- إنّك لا تبصر ..إنّك لا تدرك.. الوهم سيّدي هو الّذي أوهنك وأضعف بصرك وذهب بقدرتك على الفهم ..إنّك ميّت وإنّهم قادمون , عليك الهروب ..عليك الفرار ..والفارّون أبدا لا يجدون المستقرّ لأنّ الوهم سبيلهم الوحيد , والأرض وحل وطين , إنّها النهاية , إنّها الغرق والسقوط في اليقين.

- السّماء ..ما أشدّها بعدا !

- عليك أن تتبخّر , أن تنعدم , أن تسحق حتّى تصبح سماويّا.

- الّذي تؤلمه السياط , لا تسكنه الرّوح ..إنّه عبد.

- والّذي يختنق تتسع في عينيه الدنيا حتّى تغريه ..فيعترف.

- ما أجبنك.. !

- لست الوحيد ...الّذين يتناسون أشدّ جبنا.

- لماذا اعترفت؟

- لأنّني أيقنت أنّني الوحيد الّذي يختنق ..الّذي يموت في صمت ..إنّني الوحيد الّذي يتعرّى ..لا آهات غير آهاتي تسمع..أقلقني الصمت ..إنّه الوجه الآخر للموت ..أريد مزيدا من الصّراخ ..أريد أسجادا تتعرّى غير جسدي اللعين ...مزيدا من الموتى ليستحي القتلة.

- مزيدا من الموتى ليستحي القتلة.. !

- عليك أن تبدأ.

- البداية واحدة لا تتكرّر ..والّذين ينتهون ..ينسحبون.

- أتخشى الذكرى؟

- إنّها اللعنة.

- والتاريخ..؟

- الأوهام تحاول أن تتخذ من الأرض مقاما..إنّه الأشياء المصطنعة في البلاطات ..التاريخ صراخ الأموات في الليل والمجانين عندما يتوهون.

- والجنون..؟ أليس هو اليقين..؟

- أجمل الوظائف, الجنون يشترى ويكتسب ويمنح ..إنّه لقب تشريف يوهب في القرن مرّة.

- لا أفهمك ..

- الّذين يدّعون الفهم ..أشدّ الناس بعدا عن الفهم.

- إنّك غامض .

- الغموض زنزانة الأفكار الشجاعة وفسحة المفكّر الجبان فالّذين يفرّون دائما يسلكون الطرق الغامضة ويمرحون في المتاهة .

- لو رحلت الآن.

- الرحيل ..؟ ما ألذ البدايات التّي لا تعرف النهاية كالخرافة المنشقّة عن سبيل نهايتها المرتمية في مسالك الخيال السرمديّ فتنشأ أسطورة تروم الأفاق المغرقة في الدّوام.

- إنّك العدم الذي حلم بالكيان فتشبّه بالمرآة تسوّلا لصورة خواء حتّى أدركته الظلمة وزالت منه صورة الحياة.

استدار إلى الوراء والتمعت في عينيه صورة الماضي فأغمضهما لعلّه ينسى ..طاردته الذكريات وملأت عليه نفسه ..استلقى على الأرض ..فتح عينيه من جديد ثمّ أدراهما في الأفق...غيمة واحدة تسكن السّماء... ! ؟



ليست هناك تعليقات:

  شعريّة النصّ الحماسي عند أبي تمام والمتنبّي وابن هانئ   ليست   الحماسة غرضا شعريا قائما بذاته ضمن أغراض الشعر العربي المعروفة   التقل...